على غرار الملايين الذين تابعوا بشكل مباشر المؤتمر الصحافي الذي عقده رجل الاعمال ​كارلوس غصن​، شعر ال​لبنان​يون ان هذا الرجل لم يأت الى لبنان ليخرج منه سريعاً، بل ليبقى فيه لفترة غير قصيرة. ولم يكن هذا الاستنتاج فقط بسبب ما قاله هو في هذا الخصوص، من انه لن يغادر لبنان سريعاً، بل عبر عدة مؤشرات تقصّد غصن تمريرها في مؤتمره ليقطع الشك باليقين انه غير مستعجل للخروج الى ايّ بلد آخر.

ما قاله غصن في المؤتمر وما لم يقله، كلها امور صبّت في خانة بقائه في لبنان، ليس بالطبع للاستمتاع بطبيعته والعودة الى الشعور بالارتياح، بل ليبني منه خط الدفاع عن اسمه واستعادة صورته التي لطالما اشتهر بها واوصلته الى مركز استقطاب الاهتمام ​العالم​ي. كثير من الامور قالها غصن، ولكن في ما يتعلق منها بالشق اللبناني، بدا واضحاً انه اختار لبنان على ​فرنسا​ و​البرازيل​ حيث تأكد من السلطات في البلدين عدم تسليمه الى ​اليابان​ اذا ما لجأ اليهما، ولكن اختياره للبنان اتى اولاً بسبب نوع من اللوم يحمله ضد فرنسا التي اعتبر انها لم تدافع عنه كما يجب، خصوصاً وانها دولة مؤثرة على صعيد العالم، وانها فضّلت عدم المغامرة بعلاقتها مع اليابان من اجله. اما البرازيل، فمن الممكن ان يكون غصن قد رأى فيها مكاناً اقرب الى الاعتزال والراحة منه الى العمل والانطلاق بقوة اكبر نحو العالم من جديد.

اضافة الى ذلك، فإن لبنان يطابق تماماً الخطة التي وضعها غصن للعودة، ففيه ترحيب من قبل المسؤولين به، وتسهيلات يمكن ان تعطى له على اكثر من مستوى، وتقدير لما قام به على مرّ السنوات في تاريخه المهني، ناهيك عن اثباته عدم التأثر بأي ضغط ياباني قد يمارس عليه، كما ان موقعه الجغرافي متميّز من حيث القدرة على متابعة الاعمال في القارتين الاوروبية والاسيويّة بسهولة اكبر. ومن المنطقي ايضاً النظر الى الرقابة على الاعمال، الاقل حدّة في لبنان من غيره من البلدان، دون ان يعني ذلك ان ما يقوم به غصن غير قانوني، انما من المفيد احياناً ان يكون سرّ النجاح خفياً كي لا ينتشر بسرعة ويفقد قيمته.

ومن أبرز الدلائل على نيّة رجل الاعمال اللبناني الاصل البقاء في لبنان، كانت فضلاً عن تحدثه ب​اللغة​ اللبنانية المحليّة بسهولة للدلالة على عدم تخلّيه عن هويّته واشارته الى انه يزور لبنان مراراً، استعداده العلني للاعتذار من ​الشعب اللبناني​ على الزيارة التي قام بها الى ​اسرائيل​، والّتي اوضح انه "أُجبر" على القيام بها بصفته المهنيّة في شركة "رينو" ومن خلال جنسيّته الفرنسيّة التي فرضت عليه ايضاً القيام بذلك. هذا الامر بحدّ ذاته يشرح ما يخطط له غصن لجهة البقاء في لبنان، اذ ليس من السهل على شخص حصر مسؤولية ادارة ثلاث شركات كبرى عالميّة بشخصه، ان يعتذر على امر يعتبره بديهي، في حين ان الكثيرين يتحدثون عن مدى "دكتاتوريته" وطبعه الحاد. اما النقطة الاخرى التي يجب التوقف عندها في ما خص الوضع اللبناني في كلامه، فهو عن استعداده لتقديم المساعدة دون ان يطلب ايّ منصب رسمي او عام، وهو امر مفهوم لانّه من غير المحتمل ان يتقبّل ان يكون مرؤوساً بعد ان شغل معظم فترة حياته في موقع المسؤولية.

لا يمكن بعد اعطاء صكّ براءة لكارلوس غصن قبل اكتمال التحقيقات، ولكن من المؤكد انه لن يبقى في لبنان مكتوف اليدين وسيعمل من اجل عودته الى الساحة، وعدم الاكتفاء بسرقة اهتمام ​وسائل الاعلام​ عبر الطريقة التي ترك فيها اليابان، وهي ستبقى لغزاً لاشهر وربما لسنوات، فيما سيكون لسان حال غصن حول بقائه في لبنان: باقٍ باقٍ باقٍ.