وكأنها معركة شدّ حبال في ​لبنان​ بين شركات التدقيق الجنائي الاجنبية على غنيمة وطنية أكثر منها سباق على كشف الحقائق أو طمسها بين مكوّنات ​السلطة​ و​الحركات الثورية​ وأحزاب تتأرجح بين الواجب والشعبوية. "التدقيق الجنائي" ملف فرعي تحت عنوان "​مكافحة الفساد​" و"استرداد ​الأموال المنهوبة​" و"محاسبة المجرمين" يستدعي بحدّ ذاته ​تحقيق​ات جنائية لكشف أبعاده السليمة أو المشبوهة.

واضحٌ أنّ ​الحكومة اللبنانية​ الحالية تتخبّط هي الاخرى في العديد من قراراتها التي تنطوي على "علم نظري" أكثر منه "علم تطبيقي" منها على سبيل المثال اقتراحاتها في قضايا مصرفية ونقدية لجهة "الهيركات" أو تحويل ودائع كبار المودعين الى أسهم تفضيلية، ما يتطلّب قوانين متعارضة مع ​الدستور​ والنظام الاقتصادي الحر وحقوق الملكية الفردية والحقوق المكتسبة، من المستحيل أن يسنّها ​البرلمان اللبناني​؛ وذلك عن حقّ.

ومن المستغرب في ظل أزمة نقدية ومالية تهدد ​الأمن​ الإجتماعي ويضيع فيها مصير ​أموال المودعين​، أن يُطرح في أي خطة حكومية منح رخص لأربع ​مصارف​ جديدة؟!.

لقد حذّرنا ومنذ بداية ​تشكيل الحكومة​ وقبل كشف هوية شركة Kroll من تعيين شركات تدقيق أجنبية لاجراء تدقيق جنائي في اي مؤسسة أو قطاع محلي لما ينطوي ذلك من "انكشاف أمني".

نعم، التدقيق الجنائي واجب وطني و يجب على الدولة فتح صفحة كشف مصير الاموال المنهوبة ولكن، وفق الآليات والأطر القانونية المفروضة في القوانين اللبنانية.

قبل بحث الوضع القانوني لهذا الملف، نطرح الأسئلة التالية: هل ستدفع ​الدولة اللبنانية​ أتعاب ومصاريف شركات التدقيق الاجنبية من جيب المواطن وبالدولار الأميركي؟! من ضرائب إضافية أم احتياطي ​مصرف لبنان​؟

تحويل مصرفي أم نقداً؟

ما هي المفاعيل القانونية لل​تقارير​ التدقيقية الجنائية الحسابية أمام المحاكم اللبنانية؟. نتوقف عند الآتي للإحاطة بالأجوبة القانونية اللازمة.

أوّلاً: حدّد قانون اصول المحاكمات الجزائية اللبنانية رقم ٣٢٨ الصادر في ٢ آب ٢٠٠١ والمعدّل، الاصول القانونية المفروضة لتعيين الخبرة الجنائية في المادة ٢٢ منه حيث جاء فيها:

"للنائب ​العام المالي​ أن يستعين بالاختصاصيين في الشؤون المصرفية والضريبية والمالية، بعد أن يحلفهم يمين الخبرة القانونية، للقيام بالمهام التقنية والفنية التي يكلفهم بها ما لم يكونوا من الخبراء المحلفين.

للنائب العام لدى ​محكمة التمييز​ ان يطلب، تلقائياً او بناء على طلب النائب العام المالي، بواسطة وزير العدل الى ​رئاسة مجلس الوزراء​، تكليف ​هيئة التفتيش المركزي​ إجراء أيّ تحقيق في القضايا المالية المناط به أمر النظر فيها".

ثانيا: حدّدت المادة ٣٤ أ. م. ج. صلاحية النائب العام الاستئنافي للاستعانة بالخبراء وجاء في الفقرة الثانية منها: "... لا يباشر الخبير مهمته الا بعد ان يحلف اليمين"...

ثالثاً: نصّت المادة ٨٧ أ. م. ج. على اصول سماع الخبير امام قاضي التحقيق وفرضت حضوره بالذات وحلفانه اليمين لاستيضاحه حول ال​تقرير​ المنظم منه. وجاء في الفقرة الاخيرة من المادة المذكورة "للمتضرر فقط من مخالفة احد الاصول المبينة آنفاً ان يطلب ابطال المحضر".

رابعاً: نصت المادة ٢٤٤ وما يليها والمادة ٢٤٨ من القانون عينه عن الاجراءات والاصول الواجب اتباعها لمثول واستيضاح وتعيين الخبير امام ​محكمة الجنايات​ وفي المادة ٣٧٦ أمام ​المجلس العدلي​.

يتبيّن ممّا سبق ان تقارير التدقيق الجنائي الاجنبية التي تُكلّف من قبل الحكومة وبقرار حكومي بحت غير قضائي هي عرضة للابطال امام المراجع القضائية الجزائية المحلية، لعدم استيفائها الشروط المفروضة قانونا لتعيين الخبراء. هذا من جهة، ومن جهة اخرى، إنّ ​القضاة​ والمحاكم اللبنانية ملزمة بناء للطلب بتعيين خبير او لجنة خبراء لبنانيين محلفين اصولا للتدقيق بتقرير الشركة الاجنبية، التي تبنى عليها الدعاوى المرفوعة امامهم.

صحيحٌ ان هذه التقارير فيما اذا وضعت تشكل بدء بيّنة خطية وفق المفهوم المدني من الممكن ان تبنى عليها الملاحقة المدنية او الجزائية؛ ولكن دون اي شك، لا يمكن ان تسند إليها المحاكمة في لبنان.

نسأل، هل يسعى احدهم عن علم او غير علم الى جرّ لبنان لمحاكمة جنائية مالية دولية؟.

لبنان بلد ذات سيادة قائم على فصل السلطات، من واجب الحكومة اللبنانية احترام السلطة القضائية والعمل ضمن الاطر الدستورية والقانونية وبحدود صلاحياتها.

بين المؤامرات الخارجية والنظريات الحكومية والشعبويات الداخلية، اصبحت الاموال المنهوبة ملعوبة. قريباً، يُفتح ملف المستفيدين.