طوى إعلان رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ عدم رغبته بالعودة إلى ​رئاسة الحكومة​ المقبلة صفحة، كان رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ أبرز الساعين إلى إعادة فتحها من جديد، بعد إستقالة حكومة ​تصريف الأعمال​ برئاسة ​حسان دياب​، الأمر الذي يضع مسار ​تأليف الحكومة​ المقبلة، بدءاً من تسمية رئيس الحكومة المكلف، أمام مجموعة من السيناريوهات الغامضة.

في البداية، من الضروري الإشارة إلى أن الحريري، كما في المرة الماضية عند تكليف دياب، لم يكن يمانع العودة إلى ​السراي الحكومي​، إلا أن الأسباب التي حالت دون ذلك خارجة عن إرادته، تبدأ من الفيتوات الخارجية من قبل بعض الجهات الإقليمية ولا تنتهي عند الفيتوات المحلية من قبل بعض القوى المحلية، وهو ما دفعه إلى تكرار السيناريو نفسه، لناحية إعلانه أنه غير مرشح وطلبه سحب اسمه من التداول.

ما تقدم يقود إلى ما هو أبعد من ذلك، لطرح السؤال عما إذا كانت مصلحة الحريري هي في العودة إلى رئاسة الحكومة أم لا؟.

أغلب القوى والشخصيات السياسية الرافضة لعودة رئيس الحكومة السابق، من حلفائه، تحاول أن تقنعه بأن لا مصلحة له في ذلك في الوقت الراهن، بحسب ما تشير أوساط سياسية متابعة لـ"النشرة"، على قاعدة أن العوائق التي اصطدم بها لا تزال قائمة، لا سيما على مستوى العلاقة مع "​التيار الوطني الحر​"، من دون أن تذكر أن الحريري نفسه هو من كان قد ذهب إلى إبرام تسوية مع التيار، لا تتضمن فقط إنتخاب ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية بل أيضاً تسميته رئيساً لحكومات العهد.

وطوال تلك الفترة، على الرغم من الإتهامات التي وجهها الحريري بعد خروجه من رئاسة الحكومة، لم تكن العلاقة بين الجانبين بالسوء الذي يجري العمل على تعميمه، بل على العكس من ذلك كان التناغم بينهما واضحا، بغض النظر عن أن ​القاعدة​ الشعبية لتيار "المستقبل" لم تهضم تلك التسوية من الأساس، بدليل الدعوة التي كانت موجهة إلى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​ لعقد حوار مع كوادر تيار "المستقبل"، في شهر تشرين الأول الماضي، أي الشهر نفسه الذي اندلعت ​الإنتفاضة​ الشعبية في السابع عشر منه، وقادت إلى "​الطلاق​" بين الجانبين.

ما تقدم، بحسب ما تشير الأوساط نفسها، يؤكد أن موقف الحريري من العودة إلى السراي الحكومي، في المرة الماضية واليوم، يعود إلى قرار خارجي بالدرجة الأولى، في حين يسعى هو على المستوى الشخصي إلى تحسين شروطه محلياً، كمقدمة نحو إزالة الفيتو الموضوع على عودته من بعض القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي الحديث عن تجربته مع "التيار الوطني الحر"، خلال السنوات الثلاث الأولى من عهد عون، في غير مكانه، مع العلم أنه في المشاورات الحالية برز التشدد من جانب "الوطني الحر" بشكل لافت، بعد أن كان الحريري قد تعمد، طوال الفترة الماضية، الهجوم المتكرر على النائب جبران باسيل.

بالنسبة إلى هذه الأوساط، وبعيداً عن المصلحة العامة في عودة الحريري، التي ينقسم ​اللبنانيون​ في تقييمها، بين رافض ومؤيد، لرئيس الحكومة السابق مجموعة من الأسباب التي من المفترض أن تدفعه إلى السعي ل​تحقيق​ لك، أبرزها التنافس القائم على الساحة السنية اللبنانية بين العديد من الجهات الإقليمية، بالإضافة إلى محاولات تقديم شقيقه، رجل الأعمال ​بهاء الدين الحريري​، كنموذج للقيادات ​الجديدة​ في البلاد، على قاعدة أنه غير متورط في ​منظومة​ الفساد، على عكس رئيس الحكومة السابق، وتضيف: "بعض القوى الإقليمية في حال فكرت بالطريقة الصحيحة، ​السعودية​ تحديداً، ستجد أن مصلحتها تكمن في إزالة الفيتو من أمام الحريري لا العكس".

في المحصلة، الحريري هو أكبر المتضررين من البقاء خارج السراي الحكومي فترة طويلة، على عكس ما يتم الترويج له لناحية أن مصلحته تكمن في البقاء بعيداً عن المشهد في المرحلة الراهنة، لا سيما بالحديث عن أن ذلك لن يحول دون تحميله، على الأقل، جزءاً من المسؤولية عن الأوضاع التي وصلت إليها البلاد.