ضاع ال​لبنان​يون: من يصنع الحل الحكومي؟ إذا كان كل فريق، و تحديداً ما بين ​بعبدا​ و"​بيت الوسط​" يرمي تهمة مسؤولية استمرار ​الأزمة​ على الفريق الآخر، سينقسم البلد بين الفريقين، لكن معظم المواطنين لا تعني لهم لا طبيعة المشكلة، ولا مسؤولية التباين، ولا كيفية المصالحة، بل إنّ كلّ ما يتوقون اليه هو إخراج البلد من عنق زجاجة الأزمة. لا فرق عندهم إن حظي فريق ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ بالثلث الضامن، أو حقّق مطلبه بوحدة المعايير في التأليف الحكومي، أو فرض رئيس ​الحكومة​ المكلّف ​سعد الحريري​ شروطه في عملية صناعة ​مجلس وزراء​. المُهم بالنسبة إلى اللبنانيين حالياً هو إستيلاد حكومة تضع أسس المعالجة السياسية والإقتصادية، وتقدّم خطة سريعة لوقف الإنهيار المعيشي. لا مشكلة عند المواطنين اذا كان الوزراء اختصاصيين أو سياسيين حزبيين: قد يكون الوزير المُحازب أحياناً أفضل أداءً من غيره في إدارة وزارته. المهم هو أن يكون الوزير فاعلاً مُقتدراً يمنع الهدر ويوظّف الطاقات ويستطيع أن يفرض رؤية بنّاءة في وزارته وعلى طاولة مجلس الوزراء: شهد لبنان وزراء اكفّاء حزبيين وسياسيين، كما مرّ أيضا في بعض مجالس الوزراء إختصاصيون فاشلون.

كل ذلك يعني أن إهتمامات اللبنانيين في عناوين أخرى: من يؤمن قوت أيامهم؟ كيف يقدرون على مجاراة غلاء المعيشة؟ لا تزال الرواتب عند مستواها المتدني نسبياً في بلد يستورد معظم حاجاته من الخارج بالعملة الصعبة. لا بل إن بعض الشركات والمؤسسات امّا عمدت إلى صرف موظفيها تعسّفًا بسبب قلة الواردات، أو هي خفّضت الرواتب الى حدود النصف. هنا إحدى جوانب أزمة اللبنانيين. كيف لهؤلاء أن يستمروا في بلد مأزوم بكل إتجاه؟

ما يزيد طين الأزمة بلّة هي تداعيات فايروس كورونا: مخاطر صحّية لم تعد ​المستشفيات​ قادرة على مواكبتها يوماً بعد يوم. تتراكم الهموم الصحّية، بوجود آمال ناتجة عن اللقاحات الشافية. اذا كان ​اللبنانيون​ يعجزون عن إجراء فحوصات الفايروس بسبب كلفته المادية، فكيف سيستطيع جميعهم تأمين اللقاحات الآتية على مراحل؟.

من هنا تبرز مبادرة رئيس حزب "​الحوار الوطني​" ​فؤاد مخزومي​ بتأمين اللقاحات لأبناء العاصمة ​بيروت​. هي مبادرة قيّمة: لماذا لا يقتدي المقتدرون بتلك المبادرة المخزومية؟.

اذا كان هناك من قال أن مبادرة مخزومي اقتصرت على بيروت العاصمة، وهي تشكّل دائرته الإنتخابية، فإن ما عُلم عن التقليح عبر مؤسسته أنه سيطال كل من يرغب من ابناء كل دوائر بيروت، وليس حصراً في دائرته الإنتخابية(بيروت مقسّمة الى ثلاث دوائر انتخابية بحسب القانون الحالي).

وحين يسأل أحدهم مخزومي: لماذا تقتصر مبادرتك على بيروت؟ يجيب: ضمن قدراتنا، وهل يمكننا ان نقوم مكان الدولة؟ سؤال وجيه ومقنع يفرض أسئلة يطرحها اللبنانيون: لو عمل كل نافذ لبناني، ضمن قدراته، على توظيف جزء من طاقاته المالية او المعنوية لإستحضار اللقاحات الى البلد، هل كان لبنان يعاني من البطء في عملية التلقيح؟.

يعزّز تلك المسارات غياب قدرة ​الدولة اللبنانية​ التي تتحلّل مؤسساتها وقدراتها تدريجياً. لم يعد بالإمكان الإعتماد على مؤسسات متعبة ومنهكة في ظل حكومة تصريف اعمال.

حملت أساساً مبادرة رئيس تلك الحكومة العرجاء لإجراء مصالحة بين القوى السياسية المتخاصمة تأكيداً على أن حكومة ​تصريف الأعمال​ لم تعد تملك أي إمكانيات. اساساً كانت الحكومة المُشار اليها مكبّلة، حيث لا قدرات سياسية ولا معنوية ولا مالية، ولا تواصل مع أي صديق او حليف. كان ولا يزال الجميع لا يكترث بوجودها، لكن البلد دفع الثمن مرات عدة.

ان الدعوة للإقتداء بمبادرة مخزومي لا تقتصر على تأمين اللقاحات للمواطنين، بقدر ما هي دعوة للتضحية السياسية، ومؤازرة السياسيين المقتدرين لأهلهم في عز النكبة المعيشية الإقتصادية. ان تلك التضحية المطلوبة طويلة المسار، وهي تبدأ بالتنازلات الوطنية، وإستيلاد حكومة مسؤولة من دون أي تأخير إضافي. لا يبدو حتى ​الساعة​ أن هناك بصيص أمل بوجود حلول. لا يزال السياسيون يراهنون على الوقت. إلى متى يتحمّل المواطن؟!.