زحمة وفوضى هو أقل ما يوصف به هجوم الناس على السوبرماركت والأفران وكل ما يمتّ إلى المواد الغذائية بصلة، لحظة خروج أي خبر عن امكانية تطبيق ​الحجر المنزلي​ او حتى امكانية انقطاع اي مادة من المواد الأساسية. هنا لا يكون شراء وتخزين الرز و​السكر​ و​الخبز​ والخضار بشكلٍ منطقي، بل بكميات تتعدى حاجة العائلة لأسبوع على الأقل. هذا الأمر غير الصحي بالطبع، لا بدّ من التوقّف عنده، ليتم تشخيص هواجس الأفراد والجماعات التي تُقدم على مثل هكذا تصرّفات. فيُمكننا القول أننا أمام ظاهرة عامة لدى أغلب ال​لبنان​يين تتجسّد بالتهافت على شراء السلع الغذائية. ولا تُخفى بالطبع نتائج ذلك التهافت السلبي من حيث اختفاء بعض أنواع السلع الاساسية بالاضافة الى غلاء في ​الاسعار​ والصفوف الطويلة وحتى المشاجرات، كذلك فان هذا التهافت يغذي حالة الذعر وبالتالي ازدياد في شعور الخوف والقلق لدى الافراد.

وتجدر الملاحظة ان هذه الظاهرة ليست حكراً على اللبنانيين. فقد شهدت مناطق كثيرة في ​العالم​ كنيوزلندا و​ألمانيا​ و​اسبانيا​ و​فرنسا​ و​تركيا​ قد شهدت تدافعًا على السوبرماركت.

إن هذا التهافت يغذّي حالة الذعر وبالتالي ازدياد في شعور الخوف والقلق لدى الافراد.

وهذه الظاهرة ليست حكراً على اللبنانيين. فقد مرّت مناطق كثيرة في العالم في مواقف مشابهة.

فمن المنطق أن يتم التوجّه الى السوبرماركت حين اقرار ​الاغلاق العام​ والتام لمدة ١٥ يوما، ولكن الغريب حصول هذا التهافت مع تأكيد ​الدولة​ والمسؤولين على ابقاء هذه الاماكن مفتوحة في اوقات الحجر. فما هي الاسباب الكامنة وراء هذا السلوك؟.

اولًا، ما يمكن تفسيره هو بحسب "نظرية ماسلو لتدرج الحاجات"، هو ان اساس حاجات ​الانسان​ الفطرية اللازمة للحفاظ على وجوده هي الحاجة الفيزيولوجية الى الطعام والشراب، كذلك فان غريزة ​الحياة​ (Freud) هي التي تقود الافراد بالسعي لتأمين موارد استمرار هذه الحياة من طعام وشراب ودواء.

ثانيًا، ان الخوف من المجهول حول آثار تفشي ​فيروس كورونا​ يُشعر الفرد بفقدان الأمان والسيطرة على حياتهم. فإن هذا ​التسوق​ يهدف الى اضفاء شعور يمكن تسميته باستعادة السيطرة على عالمٍ يشعر افراده انه خرج عن سيطرتهم، فتصبح السلع وسيلتهم ل​تحقيق​ قدر من الاستقلالية والثقة بالسيطرة على ​الصحة​ والحياة.

كذلك فان العودة الى المنزل ورؤية مخزن الطعام المليء بالمواد الغذائية والضرورات الاساسية يمنح الفرد الراحة ويوفّر الشعور بالسيطرة التي يحتاجها، والتي بدورها تُخفف من حدّة القلق والخوف.

ثالثًا، من منظور علم النفس الاجتماعي والتطوري فإن الافراد حين لا ينجحون في التعاطي مع حدثٍ ما أو موقف معين فانهم غالبًا ما يتطّلعون الى الاخرين للحصول على التوجيه والارشاد. فالعدوى الاجتماعية تنتشر أسرع من انتشار الفيروس نفسه، وإن عقلية القطيع تلعب دورًا في دفع الناس للشراء والتوجه الى مراكز التسوق عندما يرون غيرهم سواء في نشرات ​الأخبار​ او عبر وسائل التواصل او في أحيائهم ومناطق سكنهم، لا سيّما مع انتشار الشائعات التي تبالغ في الحديث عن ندرة السلع، الأمر الذي يدفع الناس للتنافس على شرائها مهما كانت حاجتهم الفعلية لها.

هنا يمكننا التطرّق الى عامل الخوف من تضييع الفرص، فقد يعترينا الخوف والقلق اذا اعتقدنا اننا أضعنا فرصة شراء سلعة او منتج مع احتمال فقدانه من الاسواق، وذلك بحسب (نظرية الندرة) او (the scarcity effect) اننا اذا اعتقدنا وجود ما هو نادر امامنا او متاح لفترة قصيرة من الزمن فان عقلنا سيعطيه وزنًا وحجمًا اكبر وتقديرًا أعظم مما يملكه في الواقع، ونعتقد انه علينا استغلال وجوده في السوق قبل اختفائه.

رابعًا، قد يقيّم الافراد ردّ الفعل قياسًا بمخاطر مشابهة؛ فعلى صعيد لبنان فقد يربط البعض بين الخوف من مجهول الفايروس واشاعة انقطاع المواد الغذائية وبين ايام الحروب وما عانوه من حرمان واحتكار للمواد من قبل ​التجار​، الأمر الذي يؤجّج الخوف الذي بدوره يسبب التفكير اللاعقلاني من حيث شراء كميات تفوق احتياجاتهم والافراط في التخزين خوفًا من انقطاع المواد وارتفاع اسعارها.

وفي الحالة اللبنانية تجتمع كل الأسباب المذكورة أعلاه مع واقع غياب الثقة بالدولة ومؤسساتها، وكذلك بنظام الحكم عمومًا، فيجنح الناس نحو ايجاد أمنٍ غذائي ذاتيٍ شبيه ب​الأمن​ الذاتي الفعلي في زمن الحروب، فيحصل التهافت.

في هذا السياق، نرى من ذلك كله أنّنا نحتاج الى التريّث والتفكير العقلاني دون الوقوع ضحية للذعر والهلع اللذان يحدّان من قدراتنا المعرفية والادراكية في التفكير واتخاذ القرارات اللازمة للتعامل مع الحدث بشكل منطقي يحمينا من خطورته، من دون زيادة للمخاوف وتأجيج للقلق الذي يعيق عملنا بشكل جماعي في مواجهة الفايروس، والخروج منه بأقل خسائر ممكنة.