حسم رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​ أَمره في رسالة الاستقلال الأَخيرة في عهده، ليل الأَحد، جازمًا: "إِنّها رسالتي الأَخيرة إِلَيْكُم". فالرّسالة الّتي وجّهها إِلى اللُبنانيّين، أَكّد خلالها أَنّها "الأَخيرة"، ما يعني تاليًا ردّه ضمنًا على التّعليقات والتّفسيرات الّتي أُثيرت في شأْن مُقابلته الصّحافيّة الأَخيرة الّتي ذكر فيها أَنّهُ في نهاية ولايته "لا يُسلّم رئاسة الجُمهوريّة إِلى الفراغ"... ولقد كانت أَوّل مُؤشّرٍ إِلى خطابٍ يتضمّن في طَيّاته الجديد إِلى جانب تأكيد المُؤَكّد.

مخرجٌ للأزمة الحُكوميّة

ومِن الجديد أَيضًا إِشارة رئيس الجُمهوريّة إِلى مخرجٍ لأَزمة الحُكومة "يستند إِلى الدُّستور"... وقد أَوجد مخرجًا لأَزمة توقُّف الحُكومة الميقاتيّة وشلّها عن العمل... على أَن يُراعيَ هذا المخرج فصل السُّلطات في أَساس الحلّ للأَزمة الحُكوميّة...

واللافت هُنا بين المُزدوجَين... ملاقاة مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة ​عبد اللطيف دريان​ أَنّ "الأُمور تستقيم تحت سقف انعقاد جلسةٍ ل​مجلس الوزراء​... والتزام الدُّستور والنّظام".

الأَزمة الخليجيّة

وفي باب تأْكيد المُؤكّد أَعلن الرّئيس العماد عون السّعي إِلى حلّ الأَزمة الدّبلوماسيّة النّاشئة مع دُول الخليج قائلًا: "أَعود وأُؤَكّد مَوْقف لُبنان الحريص على إِقامة أَفضل العلاقات مع الدُّول العربيّة الشّقيقة، وبخاصّةٍ منها دُول الخليج"... وفي هذا الإِطار لا بُدّ مِن الإِشارة إِلى أَنّ الرّئيس عون قد كسر المُتعارف عليه بروتوكوليًّا في مبادرته زيارة المملكة العربيّة السّعوديّة في أَوّل زيارةٍ رسميّةٍ له. فهل تكون السّعوديّة آخر زيارةٍ في عهده؟...

حتّى الآن ثمّة استبعادٌ لهذه الفكرة، علّ خرقًا ما يُسجَّل في كُوّة العلاقات اللُبنانيّة–السّعوديّة... وتاليًا اللُبنانيّة–الخليجيّة في شكلٍ عامٍّ!...

كما وفجّر العماد عون مُفاجأةً إِيجابيّةً في رسالة الاستقلال، مفادُها إِشاراتٌ إِيجابيّةٌ في شأن ترسيم الحُدود مع فلسطين المُحتلّة!...

ومِسك الختام في رسالة الرّئيس عون إِلى اللُبنانيّين عشية ​عيد الاستقلال​ أَن "اجعَلوا مِن صُندوق الاقتراع سلاحكم"...

ما لم يقله عون...

ولكن ما لم يقُلْه رئيس الجُمهوريّة -وقد لا يكون الوقت مُناسبًا لقَوْله- هو أَنّ اللُبنانيّين على اختلاف مشاربهم... في حاجةٍ اليَوْم، في ذكرى الاستقلال، إِلى مُواجهة الفساد المُستشري، الّذي جعل لُبنان "رهينةً للسّياسات الخارجيّة وفي مهبّ رياح الآخرين"، على ما غرّد في المُناسبة، العلّامة السيّد ​علي فضل الله​...

فالاستقلال الحقيقيّ لا يُمكن حفظه إِلّا في مُواجهة هذا الفساد، والتصدّي لناهبي المال العام، والعابثين بأَمن هذا البلد وقضائه واستقراره، كما وتنبغي المُحافظة أَيضًا على مواقع القوّة في لُبنان...

وذكرى الاستقلال يجب أَن تكون حافزًا للجميع، وهذه المرّة على قاعدة "كلُّن يعني كلُّن"... للسّعي إِلى تأكيد هذا مفهوم ​محاربة الفساد​، بإِجراء الإِصلاحات الضّروريّة الّتي هي بمثابة علاجٍ للأَزمات الّتي يمرّ بها لُبنان، فتبقى إذّاك هذه الذّكرى مُشرقةً في نُفوس أَبناء الوطن الواحد وفي وجدان أَجيال المستقبل...

والاستقلال، عدا كونه يرتكز على التخلُّص مِن أَوساخ الاحتلال الأَجنبيّ، فهو إِلى ذلك مجالٌ رحبٌ للتخلُّص مِن أَوساخ الانتهازيّين والفاسدين أَيضًا، وفي شتّى المجالات...

وهذا ما لطالما كرّره الرّئيس، وآخر مرّةٍ في 24 تشرين الأَوّل الماضي، إِذ أَكّد دعمه مطالب المُحتجّين، و"بخاصّةٍ في ما يتعلّق بإِعادة الأَموال المنهوبة"، وقد دعا إِلى "ضرورة مُحاسبة جميع اللُصوص"، كما وحضّ كُلّ الطّوائِف على "عدم حماية المُنتسِبين إِليها إِذا ما ثبت تورّطهم في فسادٍ"، مُعلنًا أَنّ "الفساد والطّائفيّة قد تسبّبا بأَضرارٍ كبيرةٍ" للبنان.