قداسة الحبر الأعظم يأتونك من كل حدبٍ وصوب ليقولوا لقداستكم أنّ وضع مسيحّي الشرق بخير، وهم فعليًا مهدّدون، لا بل حضارة على طريق الزوال، من قبل أهل البيت علمانيين وروحيين ومجتمع دولي. إنّ الخوف على المصير لدى المسيحيين الشرفاء الذين لم ينغمسوا بأتون المصالح الخاصة في هذا الوقت بالذات لا يقُلّ عمّا كان عليه أثناء حرب الآخرين على أرضهم. أسباب القلق المستمّر تعود إلى شعورهم بأنّ عددًا من القضايا الكبرى التي تهدّد مستقبلهم الوطني في أرض القداسة أرض شربل، رفقا، الحرديني والأخ اسطفان لا تزال عالقة بدون حل.

قداسة الحبر الأعظم هل أفادك زائروك أنّ المصالحة الوطنية والصيغة في خطر وكل ما يجري على الأرض ال​لبنان​ية من ضرب للمنطق السياسي السليم، وما يُحكى عن وفاق مصطنع مُغلّف بإستسلام للغريب الوافد إلينا بحضارته الدمويّة والإستئثاريّة، والذي يقضم إستعادة الدولة سلطتها على أرضها وثقة المواطنين بهذه الدولة؟ هل أطلعك هؤلاء على إستفحال الأزمة الإقتصاديّة الحادّة وعجز السلطات القائمة عن حلِّها، الأمر الذي يُفاقم الأزمات الإجتماعية ويزيد من الهجرة الجارفة، التي تسبّبت بجريمة ديموغرافية خطيرة على المسيحيين وتفريغ البلاد من معظم قواهم الشّابة والحيّة، بظل سكوت وعجز مريب لمن يتوّلون السلطتين المدنيّة والروحيّة، وما أكذب التقارير والمشاريع الوهميّة والورقيّة التي نُشاهدها عبر وسائل الإعلام، وما هي إلاّ "حبرًا على ورق" والمزيد من مضيعة الوقت وكذب ورياء ومصالح خاصة لصالح الجميع ومن دون إستثناء.

قداسة الحبر الأعظم هل أفادك زوّارك والذين ينوون زيارتك قريبًا عن تصاعد الأخطار على لبنان والمنطقة بعد تجيير الأرض اللبنانية للصراعات الإقليمية–الدولية؟... وعن غياب ​الحوار الوطني​ حول القضايا الأساسية، التي تشكل العمود الفقري لركائز التعاقد الوطني في ظل تجميد السلطة لآليات إستعادة السيادة الوطنية؟ وأنّ هناك طبقة سياسية تحتل المراكز الرسميّة في الدولة كمجلس النوّاب والسلطة التنفيذية والسلطة الإجرائيّة والسلطة القضائيّة، وحتى إنها تُطبق بسيطرتها على باقي القوى المدنيّة والأمنيّة بتسهيل من مجموعات مسيحيّة باعت ضميرها من أجل مكسب آني؟ وانّ هناك سلطة لا تعتبر أن لبنان وطن نهائي لجيمع أبنائه ودولة إصطناعيّة ومجرّد ساحة حرب أو ورقة ضغط أو إبتزاز بيد قوى إقيليميّة؟ هل أفادك زوّارك أنّ ​الدولة اللبنانية​ تفتقد كامل حقّها في الإستقلال والسيادة والقرار والحر أسوةً بدول العالم كلها؟ وطالما هذا الحق منتقصًا فإنّ لبنان لن يستطيع تجاوز الأزمات التي تعصف به.

قداسة الحبر الأعظم هل أفادك من يحجّ اليكم أنّ الدولة اللبنانية التي يرغبها الشرفاء وليس المضلّلون تقوم على المشاركة الصادقة بين أبنائها وليست مجالاً مفتوحًا للإستباحة و​المحاصصة​ التي هي عليه اليوم جرّاء سياسة بعض المسيحيين الذين جيّروا سيادتها، وهي دولة غير قادرة على رعاية صيغة العيش المشترك وحمايته وتطويرها مواكبة للعصر، فاعلة في تنظيم شؤون المواطنين مرتكزة على إدارة حديثة تعتمد الكفاءة والشفافية، وتتمتع مؤسسات الرقابة في إطارها بحصانة واسعة وكل ذلك بضمان سلطة قضائية مستقلة... كل هذه الأمور غير متوفرة قداسة البابا لا بل معدومة.

قداسة الحبر الأعظم، ان البطاركة والمطارنة والكهنة الأّجلاّء والشعب الحر مدعوون لحماية الديمقراطية وتفعيلها، على قاعدة أنّ الشعب هو مصدر كل السلطات، وذلك بتأمين إستقلالية القضاء وإحترام ​حقوق الإنسان​ ووضع قانون إنتخاب جديد يؤمن صحة التمثيل السليم، ولا تتخذوا بما يطلعونكم عليه بأنّ الإنتخابات هي حاليًا بابًا للتغيير، لا بل هي مجرّد الإستمرار في سلطة الإستسلام والوصاية وتجيير السيادة وحفظ المراكز وديمومة العار والذل والكذب، وتهجير المسيحيين والمسلمين من باب التسليم بالأمر الواقع القائم حاليًا.

إنّ خوفنا ينبع من الذين يدّعون الحفاظ على الإرث المسيحي وهم عمليًا ضربوا وعاثوا فسادًا بهذا الإرث العريق، ونتخوّف من حالة إستمراريتهم على هذا المنوال ونتخوّف أيضًا من تقاريرهم الملغومة التي تصل تباعًا إلى أيديكم الطاهرة.

قداسة الحبر الأعظم ساعدنا على صياغة مشروع لبناني لسلام عادل في لبنان، يحافظ على حقوقنا ويؤسس لنظام ديمقراطي حديث يُشكِّلْ إطارًا سليمًا للتعاون فيما بيننا كلبنانيين، ومواجهة التحديات التي تحيط بالساحة اللبنانية وذلك من خلال التنسيق معكم على قاعدة التكافؤ والإحترام.