من المؤكد ان رياح ​الإنتخابات النيابية​ تتأرجح حدتّها من ولاية الى أخرى مع قاسم مشترك واحد هو أن أغلبية المقترعين والمتحمسين للإدلاء بأصواتهم هم ذوي الأعمار ما فوق الثلاثين، ومع تفضيل انتخاب 128 نائباً وليس صيغة الـ6 نواب.

المؤسف في الأمر ان المسجّلين للإقتراع هم الآباء وليس الأبناء في الجاليات اللبنانية في ​الولايات المتحدة​، الأمر الذي يطرح سؤالاً حول دور ​المغتربين​ اللبنانيين في تقرير مصير بلدهم في المستقبل... فهل سيصنعون الفرق أم أن حضورهم في الوطن سياسياً سيتحوّل كحضور الجالية اللبنانية في الأرجنتين، التي أُلغي الاقتراع فيها نظراً لحجم تسجيل 130 لبنانيا فقط من أصل نصف مليون مغترب للمشاركة في الإنتخابات؟!.

النشرة" جالت على مختلف الجاليات في اميركا الشماليّة، وعادت بمجموعة مواقف حول توجهات اللبنانيين حيال الإنتخابات النيابيّة الّتي تبدأ رحاها في الاغتراب بدءًا من 6 أيار الجاري.

ينقسم اللبنانيون الى قسمين: قسم يؤيد التصويت لصالح الأحزاب الفاعلة، وقسم كبير يؤيد دعم الوجوه الجديدة من ​المجتمع المدني​، والتي لم يكن لها أي دور سياسي في الماضي القريب، إيماناً منها ان التغيير يبدأ من هنا.

وبعكس الأرجنتين، تشتدّ رياح الإنتخابات في ​كندا​، حيث الهجرة الجديدة، للذين تركوا البلاد منذ حوالي 25 سنة، حملوا معهم برامج أحزابهم وتطلعاتها، فنشطت الماكينات الإنتخابيّة للأحزاب التي فتحت لها مكاتب إضافية. ففي مونتريال والعاصمة أوتاوا، حيث غالبية المهاجرين من الحديثين مثلاً، ينشط "القواتيّون" في الإتصال بأبناء الجالية المؤيدين لهم، واضعين بخدمتهم سيارات نقل إذا لزم الأمر، في حين ان المسؤولين في "التيار الوطني الحر" مرتاحين للوضع نظراً للتحالف مع الأحزاب الشيعية-بحسب ما نقل مسؤول في التيار للنشرة... اما في مقاطعة "فانكوفر" في غرب كندا، حيث الهجرة اللبنانية القديمة وحيث النادي اللبناني-الكندي الناشط ثقافياً واجتماعياً منذ أربعين عاماً، فأكد القنصل الفخري الدكتور نقولا قهوجي عبر "النشرة"، ان اللبنانيين يعيشون أجواءهم الإنتخابية بهدوء بعيداً عن حزازيات الأحزاب، مع التأكيد ان الكثيرين منهم يؤيدون أحزاب معيّنة من دون التفاعل بشكل حزبي.

وإذا دخلنا في الولايات المتحدة، رأينا ان القارّة التي دخلها اللبنانيون منذ منتصف القرن الثامن عشر، ويعدّون اليوم 3 مليون من أصل لبناني، فإن القلّة منهم ما تزال مرتبطة ببلد الأرز وترغب ان يغيّر صوتها الوضع الحالي في الوطن الأم. ونرى ان الجالية التي تعيش في شمال شرق الولايات المتحدة وغربها، تنشط انتخابياً أكثر من تلك التي تعيش في وسط القارة. فالحركة ملحوظة في نيويورك ونيو جرسي وولاية ماساتشوستس، التي زادت عدد أقلامها الى ستّة، بعد ارتفاع عدد المسجلين في الولاية. ويبلغ عددهم في ولايات الشمال الشرقي 8263 لبنانيا.

ينقسم اللبنانيون بشكل واضح بين مؤيّدي أحزاب السلطة، ومؤيدي المجتمع المدني. وما ظهر لـ"النشرة" بعد عملية الإستطلاع ان جماعة الأحزاب ما تزال متحمسة لإنتخاب زعمائها، في حين ان همّة جماعة المجتمع المدني لم تبدِ حماساً وتراجع البعض منها عن الاندفاع للاقتراع، عازين الأمر الى فشل الثورة التي عوّلوا عليها الكثير من الآمال. وبحسب أحدهم: لن نذهب للتصويت لأنّ ليس هناك أمل في التغيير.

اما عن المجموعة الكبيرة التي أوضحت لـ"لنشرة" أنها لم تسجّل للإنتخابات، هي تلك التي خسرت ودائعها في المصارف، وكانت تأمل بالعودة الى لبنان، حيث الأهل وروح الأجداد، فهي اليوم "تلعن وتشتم" على مدار الساعة، وتأسف على مدّخراتها، طالبة ان تنزل يوماً واحداً الى لبنان لإسترجاع "جنى العمر"... إذا استطاعت.

اما عن الحركة الحزبية في هذه الجهة من الولايات المتحدة، فهي ناشطة "بخجل وخوف" عند التيار الوطني الحر، والتي تعترف ان زعيمها مقيّد بعقوبات أميركية، ولا تتجرّأ ان تتحرك بعلانيّة لحشد أصوات انتخابية مناصرة لها. في حين أن حزب القوات اللبنانية، ماكينته تنشط بحرية أكبر وتقوم بالإتصالات اللازمة لحشد المؤيدين لليوم الكبير أمّا باقي الأحزاب كالأحرار والكتائب فهي تغيب بشكل ملحوظ.

في مدينة كليفلاند -أوهايو، حيث الهجرة اللبنانية الحديثةـ تنشط الماكينة "القوّاتية" بشكل كبير وهي التي طالما ناصرت حزبها في الدورة السابقة.

شريحة أخرى من اللبنانيين أكّدت انها لن تنتخب حتى ولو انها وجدت المرشح المثالي، لأنها ترى ان مشكلة ​الأزمة اللبنانيّة​ لن تُحلّ حتى ولو تمّ الإتيان بـ128 نائباً جديداً، لأنّ العلّة تكمن في النظام الطائفي، ومعركة الفساد لن تبدأ إلا مع نظام علماني جديد، يُبنى على "انتخاب يعتمد لبنان دائرة واحدة"، بحسب المغترب ح. ح.، ويؤكد صحفي شهير في نيويورك ان هذه الإنتخابات لن تغيّر شيئاً طالما ان النظام الحالي فاسد، وركيزته الطائفية، وان لبنان غير قادر على حكم ذاته، وهو بحاجة دائماً لوصي.

في ولاية أريزونا حيث تشكيلة الموزاييك الطائفية، مدينة "فينيكس" ترسم صورة مصغّرة عن لبنان، فهي تحتضن مختلف الطوائف وأغلبيتها من مناصري الأحزاب. تسجّل للإقتراع 480 ناخباً من أصل ثلاثين ألف عائلة لبنانية. وتؤكد الناشطة في المجال الإجتماعي م. أ. ان غالبية الناخبين سيتوجهون للإدلاء بأصواتهم لصالح زعيهم المفضل، حيث يغيب مناصرو المجتمع المدني. ربما لأنهم لم يسجّلوا أسماءهم في القنصلية للإقتراع.

في ولاية ميشيغن الأميركية حيث الغالبية الإغترابيّة شيعية، تنكفئ الجالية بشكل ملحوظ بعكس ما حصل في الانتخابات السابقة، ويؤكد الزميل ​علي منصور​ ان الجالية في هذه الولاية التي شاركت بإيصال الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض، وبإيصال لبنانيَّيْن الى رئاسة بلديتين في الولاية، تبدو غير مهتمّة بالإنتخابات النّيابية وقد تسجّل منها للإقتراع حولي 1000 ناخب، عدا عن مجموعة القوات اللبنانية التي تبدي اهتماماً وحركة. ويردّ الزميل منصور السبب الى ان الجالية التي يغلب عليها الحضور المؤيّد للثنائي الشيعي، لا تبدِي حماساً للتصويت، نظراً للعلاقة السياسية بين قادة الجنوب على الأرض بالإدارة الأميركية.

اما حول موضوع كيفية التصويت بحسب الـ128 او 6 نواب يمثلون القارات الست، فبعد الإستطلاع الذي أجرته "النشرة" مع أبناء الجالية، جاءت النتيجة لصالح الـ128 بأغلبية ساحقة ما عدا مؤيدي التيار العوني الذين فضّلوا خَيار رئيسهم النائب جبران باسيل، في حين رفضت الأغلبيّة هذا الخيار لأسباب عديدة، منها تقنية ومنها وجدانية، فالأكثرية تريد ان تقترع لنائب قريتها حيث لها أملاك عقارية وأهل، فهم يعتبرون ان نائب المنطقة هو الوحيد القادر على التجاوب ومعالجة كافة قضاياهم الوطنية، في حين ان صوتهم في أميركا هو لصالح نائب في الكونغرس الأميركي. ويبرر البعض ان عملية اختيار ستة نواب للقارات هو "هرطقة" حيث لا يمكن لشخص ان يمثل قارّة، عملية لم تحصل في أي مجتمعات الجاليات الأجنبية المقيمة في اميركا، معتبرين ان صيغة الـ6 نواب ستزرع الفتنة والمشاكل في جسم الإغتراب اللبناني، وهو بغنى عنها ويعيش بأمان في البلد الذي هاجر اليه هرباً من نفس الظروف المستمرة.

اما الجواب الرسمي من محامين عدة من أصل لبناني اتصلت بهم "النشرة" للوقوف على رأيهم في موضوع صيغة اقتراع المغتربين (6 او 128 نائب)، أكد هؤلاء انه لا يحقّ للبرلمان اللبناني ان يصوّت على اي صيغة معيّنة، قبل ان ينظّم استفتاء اغترابيا عبر الإنترنت، للوقوف على رأي أصحاب القرار، فالنتيجة ستحسم إرادة المغتربين وليس القرار لأعضاء البرلمان. ويختم المحامي م. ع. ان نتيجة تصويت المغتربين حول صيغة الإقتراع، يُلزم البرلمان التصديق وليس التصويت عليه، لأّن القرار لنا في الإغتراب-بحسب تعبيرهم.

يبقى ان المنتشرين اللبنانيين يأسفون لبعض الوجوه الإغترابيّة التي ترشحت للإنتخابات النيابيّة، وهي مشهود لها بعمليّات النصب والإحتيال، وان أحدهم كان نزيل سجن ولايته، في حين ان آخرَ جمع بعض المال بطريقة غير شرعية، لم يفلح بالترشّح بعد وجود وصمة على سجلّه العدلي في لبنان... ويتحسّر المنتشرون الى ان للجاليات اللبنانية كوادر رائدة وناجحة وذات صيت وتاريخ مشرّف، وهي قادرة على التغيير، لكنها على ما يبدو غير مهتمة بالعودة الى لبنان.

ان الانتخابات اللبنانيّة ستكون في القريب، والعيون على صناديق الإنتشار، فهل ستصنع التغيير المنشود؟ الحبر جاهز ومراكز الإقتراع بانتظار أبنائها اللبنانيين. وعيون الكاميرات والأقلام النظيفة التي ستكتب عن اليوم الكبير جاهزة، ولو نغّصتها بعض الاتصالات لبعض الوسائل الاعلاميّة لتعرض خدمات إعلامية لمناصري أحد الأحزاب للظهور مقابل دفع مبالغ معيّنة. من المؤكد ان الإقبال على الصناديق سيكون كثيفاً، لكن هل سيتغيّر هذه الصناديق واقع التركيبة النيابية؟ ربما وغدا لناظره قريب.

الأمم المتحدة- نيويورك