على جري العادة كل سنة، ما إن يقبل موسم الصيف، حتى تعلو التهديدات والتوترات بين ​حزب الله​ من جهة و​اسرائيل​ من جهة ثانية، ولا يفوّت المسؤولون الاسرائيليّون ايّ فرصة من اجل توعّد اللبنانيين بالايام السوداء والعودة الى الوراء لعقود من الزمن، فيما يردّ مسؤولو الحزب بالمسيّرات التي تصل الى تخوم مراكز القوات المسلّحة الاسرائيليّة وغيرها من المراكز المهمّة مع تهديد بالتعامل المناسب مع ايّ عدوان اسرائيلي جديد على لبنان.

تغيّرت الظروف، وبقي التصعيد ولغة التهديد نفسها، ولكن، لمصلحة من الترويج لحرب اتفق الطرفان على انّها غير موجودة الا عبر شبحها فقط، وان احداً لا يسعى اليها لظروف واسباب عديدة، وان دول العالم مشغولة بحرب اخرى ولا يتّسع وقتها للتعامل مع حرب ثانية؟ من الوجهة الاسرائيلية، لا شك ان الكلام عن حرب مع لبنان يصبّ في خانة كسب رصيد شعبي يحتاجه المسؤولون الاسرائيليّون اليوم بشكل حاد على اعتاب انتخابات مبكرة، مع تسجيل توجّس كبير من قبل المسؤولين الحاليين تجاه عودة محتملة وقوية لبنيامين نتانياهو الذي غاب عن الساحة قسرياً قبل ان يرجع الى سابق عهده وكلامه واستغلاله للاحداث بطريقة يحوّلها ببراعة الى صالحه. اضافة الى ذلك، ليس بمقدور الاسرائيليين (وفق ما يقوله الخبراء العسكريون الاسرائيليون انفسهم) فتح جبهات متعدّدة في ظلّ التوتر السائد حالياً مع الفلسطينيين، والضغط المعنوي الذي يمارس عليهم بفعل التحقيقات حول الغدر الذي لحق بالصحافيّة شيرين ابو عاقلة، ولعل اكبر دليل على عدم الاهتمام باشعال الحرب، هو الامتناع عن الدخول في مواجهة محتدمة مع الفلسطينيين -كما كان يحصل سابقاً ولو لبضعة ايام- قبل الدخول في مفاوضات لاعادة الهدوء. واذا لم تكن هذه الاسباب كافية، فهناك سبب اضافي لمنع الوصول الى تدهور عسكري كبير مع لبنان، وهو المفاوضات الجارية حالياً حول ​ترسيم الحدود​ البحريّة واجواء التفاؤل التي يتم تسريبها حول قرب التوصل الى اتفاق، وهو امر بالغ الاهميّة لانه في حال صحّت هذه التسريبات، فإنّ فترة الهدوء ستترسّخ بضمانة دوليّة بسبب وجود الشركات التي ستتولى البحث والتنقيب واستخراج الغاز والنفط.

اما من وجهة النظر اللبنانيّة، فإنّ الكلام عن الحرب يأتي في سياق الردّ وهو امر يعوّل عليه حزب الله لشد عصب جمهوره اولاً ولارسال رسالة الى الجميع في الداخل والخارج مفادها انه ليس مستتراً ولا يمكن وضعه جانباً تحت أيّ ظرف. اما ارسال الطائرات المسيّرة فوق ​حقل كاريش​، فيعود وفق ما تشرحه مصادر على اتصال بالحزب، الى ان البعض رأى في موقف الأخير الداعم للمفاوضات التي تجريها الدولة اللبنانية بشكل غير مباشر مع اسرائيل، انه تراجع وضعف وتكبيل ليديه. من هنا، اوضحت المصادر ان الخطوة اتت للرد على هؤلاء في الداخل، ولكن ايضاً للرد على الخارج وبالاخص على اقتراب باخرة "اينرجان باور" اليونانية من حقل كاريش، فكانت المسيّرات رسالة تحذير بأنّ حزب الله قادر على تعطيل أيّ عمليات تنقيب اذا لم يتم التوصل الى اتفاق. ولا ينسى احد ان الظروف التي يعيشها لبنان لا يمكن ان يزاد عليها مشكلة جديدة وهي الحرب، لانه عندها قد تنفجر الامور بطريقة غير مدروسة، ولن يكون ربما بالامكان معرفة المسار الذي ستأخذه الاحداث وتطوره، خصوصاً وانه يأتي بالتزامن مع حرب ​روسيا​ و​اوكرانيا​ وتداعياتها التي طالت العالم اجمع، وما قد تحمله حرب في ​الشرق الاوسط​ من معطيات ونتائج ستزيد الازمات العالمية مرارة على اكثر من صعيد وتحديداً في ما يتعلق بالطّاقة وسبل تزويدها الى الدول الاوروبيّة التي قرّرت مقاطعة روسيا.

من هنا، فإنّ الترويج للحرب يدخل ايضاً في لعبة المصالح، ما يعني ان شبح الحرب سيبقى حاضراً طوال الصيف، الى ان تنتفي اسباب تواجده، فيعود غير مرئي ومنسيّا.