في الوقت الذي لا تزال فيه القوى السياسية اللبنانية تختلف على مواصفات وهوية الرئيس المقبل، جاء الإعلان عن مشروع ممر طموح، للربط بين ​الهند​ و​أوروبا​ عبر ​الشرق الأوسط​، على هامش قمة ​مجموعة العشرين​ في نيودلهي، ليفتح الباب أمام مجموعة واسعة من الأسئلة حول دور لبنان المستقبلي، خصوصاً أن هذا المشروع يستثنيه لصالح ​إسرائيل​.

في المرحلة الحالية، تتعدد المسارات الحوارية الهادفة إلى إنتخاب رئيس الجمهورية، سيتوج على رأس دولة غارقة في أزمات لا تنتهي، لا بل من الممكن الحديث عن أن دوره سيكون العمل على إدارتها، طالما أن التوازنات والصلاحيات لا تسمح له بقيادة أو رعاية أي مشروع يمكن البناء عليه، خصوصاً أن البلاد ساحة من ساحات الصراعات الإقليمية والدولية.

منذ تأسيس دولة لبنان الكبير، كان يعتبر أن الدور الأبرز الذي من المفترض أن تلعبه هذه الدولة يكمن بوصفها نقطة وصل بين الشرق والغرب، الأمر الذي تغنى به اللبنانيون تاريخياً، لكن هذا الأمر تبدل على نحو كبير في السنوات الماضية، نتيجة التحولات التي كانت قد شهدتها المنطقة، ما يدفع البعض إلى الحديث عن أن الحوار حول دور لبنان أهم من الحوار حول إسم الرئيس.

في هذا السياق، ترى بعض الأوساط، عبر "النشرة"، أن لبنان فقد العديد من المميزات التي كان يقدمها إلى ​الدول العربية​ تاريخياً، حيث باتت هذه الدول تتفوق عليه على المستويين السياحي والخدماتي، لا بل بعضها، خصوصاً الخليجية منها، باتت وجهة سياحية لبعض اللبنانيين، بعد أن كانت الحركة في الإتجاه المعاكس، الأمر الذي يؤكد أنه لا يقتصر على الأسباب السياسية، مع العلم أن هذا القطاع هو ركيزة الإقتصاد المحلي.

أبعد من ذلك، تلفت هذه الأوساط إلى أن الإعلان عن الممر الجديد، من المفترض أن يجدد النقاش حول الدور، الذي كان من المفترض أن يُفتح عند إنطلاق المشاريع التطبيعية مع إسرائيل، على إعتبار أن لبنان كان قد إستفاد من الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، من أجل تعزيز دور ​مرفأ بيروت​ على حساب مرفأ حيفا، أما اليوم فتل أبيب باتت أقرب إلى الإنخراط في العالم العربي أكثر من بيروت، مع العلم أن مرفأ الأخيرة كان قد تعرض لضربة قاسية بعد الإنفجار الذي وقع في العام 2020.

بالإضافة إلى ما تقدم، تشير الأوساط نفسها إلى أن ​المصارف اللبنانية​، قبل العام 2019، كانت تلعب دوراً أساسياً على مستوى منطقة الشرق الأوسط، ما سمح لها بفتح العديد من الفروع في بعض دول المنطقة، لكن اليوم الوضع مختلف كلياً، حيث باتت النظرة إلى هذه المصارف سلبية نتيجة فقدان الثقة بها، ما قاد إلى تقليص حضورها على المستوى المحلي، قبل البحث في تعزيزه على المستوى الخارجي.

بالنسبة إلى الكثيرين، هذا البحث قد لا يكون ضرورياً اليوم، في ظلّ الصراعات السياسية المحلية التي لا تنتهي، أما من الناحية العملية فهو الأكثر أهمية، نظراً إلى أنه أساس البناء المستقبلي.

في قراءة الأوساط نفسها، النقاش حول الدور لم يعد يحتمل التأجيل، بغض النظر عن مستقبل المشاريع التي تُطرح على المستويين الإقليمي والدولي، حيث من الممكن أن تنجح أو تفشل أو تتوقف لأسباب متعددة، في ظل وجود مشاريع أخرى منها المشروع الصيني، بالإضافة إلى الحاجة للبحث في الجدوى الإقتصادية منه، على إعتبار أن لبنان من الدول التي تقوم على أساس لعب دور معين، الأمر المفقود اليوم، مع العلم أن أي دور جديد قد يكون مادة سجال بين أفرقائه السياسيين.

في المحصلة، ترى هذه الأوساط أن السؤال الأهم، الذي من المفترض أن يُطرح بقوة، يتعلق بأهلية القيادات الحالية على القيام بهكذا حوار، في حين هي عاجزة عن الإتفاق على أمور أبسط من ذلك بكثير، لا بل هي، بشكل أو بآخر، تتحمل المسؤولية عن الواقع الحالي الذي وصلت إليه البلاد.