عندما كانت تتوالى الانتقادات بحق رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، نتيجة مواقفه التضامنية مع غزة والترابط بينها وبين تطورات جنوب لبنان، كان هو يقوم بدور فاعل بين عواصم دولية وقوى اقليمية. لكنه التزم الصمت إزاء دور مجهّل يقوم به، انطلاقاً من مشروع تسوية عابرة للحدود يجري الاعداد الدولي لها. لذلك، يُمكن الجزم أن منتقديه في مكان اخر، لا يعلمون مسار الحراك الدولي-الاقليمي على خط صناعة مرحلة جديدة في المنطقة.

يبتعد رئيس حكومة تصريف الاعمال عن التصريحات الاعلامية أو لقاء الصحافيين، علماً ان طبيعة الحملة السياسية الهجومية التي تعرض لها فرضت على مكتبه الاعلامي اصدار بيان اكتفى به ميقاتي وانصرف الى نشاطه السياسي الحكومي.

يرى المطّلعون ان رئيس حكومة تصريف الاعمال لم يُخطئ في مواقفه، ويستغربون الحملة التي شُنّت عليه: هل كان يوماً خارج عباءة الإلتزام بالقضية الفلسطينية؟ هو ابن طرابلس، التي ناصرت تلك القضية بكل مراحلها، ولا تسمح له الفيحاء بأن يشذّ عن ثوابتها تجاه تلك القضية، خصوصا في ظل الاعتداءات الاسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزه.

ينطلق ميقاتي ايضاً من التزامه الديني الاسلامي، الذي يفرض عليه مجابهة العدوانية بحق الانسان، ولا يمكنه ان يتجاهل الابادة التي تقوم بها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

كما أنّ مقاربته للقضية الفلسطينية، وتحديداً تطورات غزة، وضعت المصلحة اللبنانية اولوية، خصوصاً ان هناك تعاطفاً شعبياً واسعاً مع غزة، سواء من لبنانيين او فلسطينيين لاجئين متواجدين على الاراضي اللبنانية.

الاهم، هل ينسجم موقف ميقاتي مع العرب في طروحاتهم؟ تبدو كل مواقف الدول العربية رسمياً وشعبياً، داعمة للشعب الفلسطيني ومتضامنة مع غزة وتطالب بوقف العدوان الاسرائيلي عليها. كما ان الدول العربية ارسلت قوافل مساعدات الى القطاع، واشترطت وقف الحرب الاسرائيلية قبل الحديث عن اي تسوية سياسية. مما يعني ان موقف ميقاتي ينسجم مع ثوابت العرب الواضحة.

صرف المنتقدون لرئيس الحكومة حملتهم السياسية الاعلامية من دون رصيد، لا بل ساهموا في رفع اسهمه الشعبية في حسابات المكوّن السنّي في لبنان اولاً، في وقت كان المطّلعون يقولون انه لا يتصرف انطلاقاً من مصالح شخصية، ولا سياسية، بقدر ما ينطلق من ثوابت وطنية تحفظ التوازن الداخلي.

الأهم، أنّه المتكتّم على مضمون لقاءاته واتصالاته، وخصوصاً إجتماعه مع وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن، يلعب دوراً خاصاً الى جانب صنّاع التسوية.

لا يعني ذلك أنّ الحلول باتت جاهزة، لكن كلّ المعطيات تشير الى أنّ الاسابيع المقبلة ستشهد تغييرات في المشهد الاقليمي، أساسها فرض تهدئة الجبهات، انطلاقاً من غزة.

رغم رفع مستوى التصعيد الميداني والخطابات والتهديد والوعيد في تل ابيب، بدأت عمليات خفض حجم القوات الاسرائيلية في القطاع، وتقليص القتال وحصره في منطقة خانيونس فقط، وتراجع وتيرة الهجمات الجوية، وتسريح الاحتياطيين، وتوزيع واسع النطاق للمساعدات الإنسانية، وإعلان وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الانتقال إلى مرحلة أقل كثافة قتالية.

كلّ ذلك يأتي على وقع ضغوط اميركية لفرض تراجع الاسرائيليين، قد تُترجم تدريجياً في الاسابيع المقبلة، وتحمل معها بشائر تسويات مقبلة.