تتخبّط الساحة السياسية اللبنانية بصولات وجولات للشخصيات المعنّية بملف رئاسة الجمهورية بعد خمول طال هذا الإستحقاق لأكثر من سنة ونصف وكأنّ العالم أجمع يصبو إلى رئيس جمهورية للبنان قبل نهاية العام الحالي تحت طائلة الوقوع في "المجهول" الدولي.

وفي هذا السياق كثُرت التحاليل المؤيدة والمعارضة للتسوية المطروحة وتشعبّت الإستنتاجات لنجد هذا الدفق الإعلامي ينصبُّ في مجرى واحد، وهو تسوية رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري بترشيح رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، ليلعب الإعلام الدور الأكبر في سبك خيوط التسوية الرئاسية.

ويأتي قرار العربسات بوقف بث "قناة المنار" رصاصة إسكات لا بل قمعِ لحرية إعلامية توقيته غير مُسْتَغرب وله دلالات سياسية واسعة.

هذه الأمواج العاتية التي تضرب البرّ السياسي اللبناني تواجهها بالمقابل أزمة بحرية لا تقلّ أهميتها في الحاضر والمستقبل عن الإستحقاقات الدائرة ألا وهي ترسيم الحدود البحرية اللبنانية.

كيف يؤمّن لبنان أمنه النفطي البحري بوجه إسرائيل في ظلّ عدم دقّة ترسيم حدوده؟

كيف يحمي لبنان سيادة جغرافيته من أي إحتلال عسكري بحري في ظلّ هذا الغياب المذكور أعلاه؟

يطرح ترسيم حدود المياه الإقليمية اللبنانية تساؤلات عدّة أبرزها ماهية الدراسات المحلية الرسمية الموضوعة في هذا الإطار والنتائج التي خلصت إليها، ليصار إلى وضعها موضع قرار سياسي وعلمي، وبندٌ واجب إدراجه في أيّ تسوية دولية أو إقليمية لبنان طرف فيها؛ بعد تتويجها "بالإجماع الوطني" حيث أنّ المصلحة العليا للوطن والمبادىء السيادية العامة نقطة إلتقاء جامعة لدى جميع الأطراف.

اللافت في هذا الملف، أنّ المكتب الهيدروغرافي البريطاني المُكلّف من الحكومات اللبنانية السابقة للعام 2002 وبعدها عام 2006 بوضع دراسة حول ترسيم الحدود البحرية (حدود المياه الإقليمية) والمنطقة الإقتصادية الخالصة؛ ثبت إصطدامه بصعوبة دقّة الترسيم لنقص في الخرائط لا سيّما خرائط منطقة جنوب لبنان البحرية وهذا ما أعلن عنه صراحةً.

بالتوازي مع ذلك، غاب لبنان عن إبرام إتفاقيات دولية تحمي مساحاته المائية رغم أنه في العام 2011 صدر قانون تحديد وإعلان المناطق البحرية اللبنانية؛ تطبيقاً لأحكام إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982.

كما صدر في العام 2011 وتحديداً في 1/10/2011 مرسوم تحديد حدود المنطقة الإقتصادية.

إنّما وفي مقاربة للتواريخ؛ يتضح أنّ إسرائيل وقّعت مع جمهورية قبرص إتفاقية لتعيين الحدود بينهما وذلك في 17/12/2011 أي بعد شهرين وأسبوع من صدور المرسوم اللبناني، إختلفت فيها في خارطة التوزيع مع المرسوم اللبناني ما أدى إلى خسارة لبنان جزء من المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية وهي غنية بكميات كبيرة من حقول النفظ والغاز، ليحددها الإختصاصيون بـ860 كلم مربع من هذه المنطقة الإقتصادية الخالصة.

إنّها "قوننة" للإحتلال النفطي، مقاومتها القانونية واجبة على الحكومة اللبنانية وإلاّ الحرب القائمة والمستقبلية المبنية على إشكالية ترسيم الحدود البحرية "مجهولاً" أخطر من الأخطار الدائرة.

وهنا نسأل:

1- هل فوّضت الحكومة اللبنانية الأمم المتحدة حلّ هذه الأزمة؟

2- هل تبادر الأمم المتحدة بناء على طلب الحكومة اللبنانية والتفويض "المفترض" إلى حسم أمر ترسيم الحدود اللبنانية في غياب أي تفويض من الإسرائيلي؟ أم أننا سنلجأ لا محال إلى المحاكم الدولية؟ أو التحكيم الدولي؟ أو سنواجه حرباً قادمة عنوان المقاومة فيها بعد الدفاع عن الأرض، "الدفاع عن البحر"؟

إن واقع وجوب ترسيم الحدود البحرية اللبنانية وتحديد المناطق يشكّل تحدّياً خطراً على الحكومة اللبنانية في الأيام المقبلة، لا بدّ من وضع خارطة طريق له تبدأ اليوم في ضرورة إدراجه على أوّل جدول أعمال حكومي آتٍ وشرطاً في أي بيان وزاري قادم، كما "ضمانة" لأي طرح رئاسي قائم على تسوية إقليمية أو دولية لما له من أهمية على صعيد الأمن الوطني بشكل عام والأمن الإقتصادي بشكل خاص، فكفى لبنان التلهّي بلعبة القشور وداما الأسماء وشطرنج "الأقوياء".