اشتد وطيس المعركة الكلامية بين ​ايران​ والولايات المتحدة الأميركية، وبات الحديث عن تسويات مرتقبة تُعيد السلام الى الشرق الأوسط على شفير الهاوية، وكثرت التحليلات والتوقعات، فالرئيس الأميركي الجديد ​دونالد ترامب​ لم يُوضح بعد نواياه الحقيقية، وايران بالمقابل لم ترضَ "السكوت" فكان الموقف مقابل آخر، والمنع بوجه المنع، والمناورات العسكرية بوجه عرض القوة، وستكون التظاهرات الشعبية في ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايران مقابل التهديدات الاميركية. فما هو واقع الشارع الإيراني اليوم وهل فعلا عادت طهران الى سباق التسلح بسبب ضبابية المشهد الاقليمي والدولي؟

لا يرى الشارع الايراني وقيادته ما يراه كثير من المحللين العرب بأن ترامب أعدّ عدّة الحرب لمواجهة ايران، يقول الباحث بالشأن الإيراني علاء حسن. ويضيف: "إن النظرة الايرانية لتصريحات الرئيس الاميركي هي انه لا يزال ضمن حملته الانتخابية، ولم يخرج منها، ولن يكون لها صدى على ارض الواقع بدليل تغيير المواقف بسرعة قياسية، وأبسط مثال هو ملف نقل السفارة الأميركية الى القدس حيث توقف هذا المشروع بعدما حقق اهدافه الاعلاميّة".

اما بالنسبة لما يُحَضَّر في ايران خلال ذكرى انتصار الثورة الاسلامية، فإن خطاب مرشد الجمهورية الايرانية علي الخامنئي الذي دعا فيه للتظاهر ينقسم الى رسالتين، الأولى تحفيزية للداخل الايراني للمشاركة في التظاهرات، والثانية للخارج للقول أن الشعب الايراني لا يخاف، وها هو بأكثريته يقف خلف النظام الإيراني. وفي هذا الاطار يتابع حسن في حديث لـ"النشرة": "إن الرسالة الابرز ستكون شرعيّة النظام، والتأكيد أن ايران ليست خائفة من كثرة التهديد والتهويل"، مشيرا الى وجود رأيين، الأول يقول بأن الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما كان رئيسا جيّدا، الثاني يرى بأن الولايات المتحدة كانت ولا زالت هي "الشيطان الأكبر" بغض النظر عن الاسماء، مشددا على أن خطاب الخامنئي جاء ليدعم أصحاب الرأي الثاني عندما قال بشكل واضح ردًّا على ترامب "نشكر هذا الرجل الحديث العهد لأنّه قلل جهودنا وكشف عن الوجه الحقيقي لاميركا، فقد اثبت ما كانت تتحدث عنه الجمهورية الاسلامية الايرانية طيلة 38 عاما عن الفساد السياسي والاقتصادي والاخلاقي والاجتماعي للادارة الحاكمة في اميركا".

تشير مصادر متابعة الى أن التحليلات العربيّة لما هو قادم على المنطقة يعبّر عن احلام بعض الحكام العرب لا عن الواقع، فهؤلاء يتمنّون اندلاع الحرب ضد إيران في كل يوم، لافتة الى أن سيناريوهات عدّة تحدثوا عنها سواء في اليمن او في العراق، وتطرقوا لمسألة التسلح الايراني والملف النووي، الا أن الواقع يختلف تماما عن كل هذه "الحكايات"، وللتفصيل أكثر نتطرق لكل ملف على حدى، والبداية مع الملف العسكري الايراني.

هنا يشدد حسن على ضرورة التفريق اولا بين الحكومة الايرانية وسلطة المرشد الاعلى، فالثاني هو المعني الاول والاخير بما يتعلق بالتسليح وتطوير الأسلحة واختيار توقيت المناورات العسكرية. ويقول: "خامنئي وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة قد فصل منذ بداية المفاوضات النووية بين الشقين النووي والعسكري، فالتسلح لم يتوقف لحظة ويسير بمسار تراكمي، وما يُحكى عن "اعادة" اطلاق قطار التسليح هو أمر غير دقيق". اما بالنسبة للملف النووي فلا مجال للحديث عن "تطور" سيشهده هذا القطاع في المدى المنظور، يقول حسن، مشيرا الى أن "الواقع النووي" سيبقى كما هو، ففي شقّ اول، لا يرغب الفريق المؤيد للاتفاق النووي بإعطاء الذريعة للاخرين لالغاء الاتفاق، ولا الفريق المعارض له يرغب أن يكون السبب بضربه، خصوصا وأن ايران على عتبة انتخابات تشريعية بعد اربعة أشهر. ويكشف حسن أن الشق الثاني يتعلق بالأمور التقنية ويكمن بعدم امكانية تحقيق أي تقدم اضافي، خصوصا بعد الاجراءات التي رافقت تنفيذ الاتفاق النووي ومنها "صبّ الاسمنت في النواة الاساسيّة لمعمل آراك المخصص للماء الثقيل".

بعد الحديث عن الملفين العسكري والنووي داخل ايران، نصل الى "اليمن" حيث يُحكى عن معركة أميركية-ايرانية قادمة هناك. وفي هذا السياق تؤكد المصادر أن الارض اليمنية كانت ولا زالت مركزا لصراع اقليمي-دولي، مشيرة الى أن تجربة الصاروخ الباليستي الذي وصل مداه الى مسافة تمكنه من ضرب الرياض، هدفها اعادة إحياء المفاوضات وتخفيف الضغط الكبير عن الحوثيين، مع الاشارة الى أن هذه التجربة تأتي بعد تجربة اولى "حاكت" ضرب مكّة، ولم تؤدِّ لنتائج مرضية على صعيد تحريك الجمود في الملف اليمني.

لا يرى الإيراني بالعين نفسها التي يرى عبرها الاخرين، ولكنه يدرك أن الوضع في المنطقة لن يكون أبيضا بالكامل كما أنه لن يكون أسودا قاتما، والتركيز في الوقت الراهن سيكون على "إظهار" متانة المجتمع الايراني ووقوفه خلف "النظام" بانتظار المقبل من الأيام.