حتى الساعة لا تزال الكثير من الأسئلة تطرح حول حقيقة الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي ​أبو بكر البغدادي​، لا سيما أن الحديث عن الأمر تم عبر وسائل إعلام عراقية من دون أن يتم تأكيده من خلال تلك التابعة أو المقربة من التنظيم نفسه، لكن الأكيد أن هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عن مقتل البغدادي ما يعني أن إحتمال عدم صحة الخبر وارد.

ما يهم على هذا الصعيد، هو أن الإعلان عن وفاة زعيم دولة "الخلافة" جاء في وقت تتقلص فيه المساحات التي كان يسيطر عليها التنظيم الإرهابي، لا بل حتى عاصمة "الخلافة" في ​العراق​، أي ​مدينة الموصل​، المحرّرة من قبل القوات المسلحة العراقية، في حين أن هناك عملية عسكرية كبيرة تقوم بها "قوات سوريا الديمقراطية"، بدعم من ​التحالف الدولي​ الذي تقوده ​الولايات المتحدة الأميركية​، ضد العاصمة الثانية في سوريا، أي ​مدينة الرقة​، في وقت يتولى ​الجيش السوري​ قيادة عمليات أخرى بدعم من الجانب الروسي.

في هذا السياق، يمكن القول أن المؤشرات لاحتمال وفاة البغدادي ارتفعت، في الفترة الأخيرة، على نحو غير مسبوق، ولا يمكن على هذا الصعيد إهمال إعلان السلطات الروسية، قبل ما يقارب الشهر، أن هناك درجة عالية من الثقة بأن زعيم "داعش" قتل بغارة روسية في سوريا، بالإضافة إلى المعلومات التي تحدثت عن إعدام عناصر من التنظيم الإرهابي "أبو قتيبة"، أحد المقربين من البغدادي، في منطقة تلعفر غربي الموصل بعد أن ألمح إلى مقتل البغدادي في خطاب له خلال صلاة الجمعة.

حتى تأكيد أو نفي الأنباء عن مقتله من قبل جهة موثوقة، يجب التشديد على أن مقتل البغدادي يمثل ضربة معنوية كبيرة لتنظيم "داعش"، قد تؤدي إلى إضعافه على أغلب الجبهات التي يقاتل فيها سواء في سوريا أو العراق، لكنها لا تعني بأي شكل من الأشكال إنتهاء التنظيم بشكل كامل، حتى ولو جاءت بالتزامن مع الترويج لاقتراب موعد القضاء عليه بعد إستعادة السيطرة على المناطق التي كانت تحت سلطته في سوريا والعراق، فالتنظيم بات منذ أشهر طويلة عبارة عن "يافطة" تجذب إليها كل من يشاركه في الموقف والرأي والأهداف والرغبة في تنفيذ عمل إرهابي.

ما تقدم يعيد إلى الأذهان الواقع الذي كان يرافق الحرب التي قامت بها الولايات المتحدة في أفغانستان، بعد تنفيذ تنظيم "القاعدة" الإرهابي بقيادة أسامة بن لادن هجمات الحادي عشر من أيلول في العام 2001، حيث كان الحديث عن قرب الإنتهاء من هذا التنظيم يسيطر على مواقف أغلب القادة الأميركيين، لتظهر الأيام التي تلت أن تلك المواقف كانت للإستهلاك الإعلامي والإستثمار السياسي لا أكثر، حيث عادت "القاعدة" إلى الظهور في أكثر من مكان بعد فترة قصيرة، لا سيما في العراق من خلال "الدولة الإسلامية في العراق" قبل أن تعلن الأخيرة "الخلافة" والإنفصال عن "القاعدة" على خلفية الخلاف مع جبهة "النصرة" حول ​الأحداث السورية​، و"داعش" يعتبر نسخة "متطورة" عن "القاعدة" أكثر عنفاً ودموية، ومن غير المستبعد أن تظهر نسخات أخرى أكثر تشدداً في حال لم تعالج الأسباب التي أدت إلى ولادتها.

في المحصلة، تداعيات مقتل أبو بكر البغدادي، في حال صحت الأنباء التي تتحدث عن ذلك، لن تختلف كثيراً عن تلك التي رافقت الإعلان عن مقتل أسامة بن لادن، نظراً إلى أن ​الجماعات الإرهابية​ لا تعتمد على شخص أو مجموعة من الأشخاص، بل على فكرة وإيديولوجية قادرة إلى إنجاب شخصيات أخرى ربما تكون أكثر سوءاً.