كان يجبُ أن يَحصُلَ ما حَصَلَ في الجلسة النيابية العامة في 15 نيسان 2014، لتبريد الرؤوس الحامية سواء النيابية منها أو النقابية أو السياسية.

كان يجبُ أن يَحصُلَ ما حَصَلَ بغية تفادي انهيار الجمهورية عشية إستحقاق رئاسة الجمهورية.

وليس من باب المصادفة أن يتكتَّل خمسةٌ وستون نائباً، للتصويت على إرجاء البتِّ بالسلسلة خمسةَ عشرَ يوماً، في مقابل سبعةٍ وعشرين نائباً رفضوا الإرجاء. وكأنَّ في ما حصل، بروفا لجلسةٍ رئاسية حيث النصاب يفوق الثلثين فيما التصويت نال خمسةً وستين نائباً، وهو عددٌ كافٍ لإنتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجمهورية.

***

ما حصل في الخامس عشر من نيسان يحملُ أَكثَرَ من مغزى، ولعلَّ المغزى الأكبر هو أنَّ جلسةَ إنتخاباتِ الرئيس يمكن أن تحصل، حيث نصاب الثلثين يمكن أن يتأمَّنَ وحيث الأكثرية المطلقة، في الدورة الثانية، يمكن أن تتأمَّن.

***

ولكن قبل كل ذلك، ما هي الأبعاد السياسية والنقدية والإقتصادية لِما حَصَلَ في جلسة الإرجاء؟

البُعدُ الأول سياسيٌّ بامتياز، فهو أثبت أنَّ خَلْطَ الأوراقِ السياسية يمكن أن يحصل في أيِّ لحظة، بمعنى أنَّ إصطفافات 14 و8 آذار ليست صلبة أو متصلِّبة بل يمكن أن تتبدَّل إذا كان هناك من داعٍ لتبدُّلها. ففي التصويت على تشكيل لجنة لمزيدٍ من الدراسة للسلسلة، إلتقى الخصومُ فيما تفرَّق الحلفاء:

صوَّت تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ في إتجاهٍ واحد وكذلك نواب الإشتراكي ونواب القوات اللبنانية، وفي المقابل إبتعد تصويتُ نوابِ حزب الله وحركة أمل عن تصويت حلفائه في التيار الوطني الحرّ.

هذا البُعد قد يؤسِّس لمرحلةٍ متطوِّرةٍ من العلاقات، لا يُعرَف كيف ستنتهي.

***

البُعدُ الثاني ماليٌّ وإقتصاديٌّ بامتياز، فعلى رغم التهويل بالويل والثبور وعظائم الأمور فإنَّ مجلسَ النوابِ إستطاع أن يُجنِّبَ البلد إنتكاسةً ماليةً قد تؤدي به إلى هاوية لا قعر لها:

وهنا يُسجَّلُ لزعيم المختارة النائب وليد جنبلاط جرأة المبادرة، بأنَّه لن يسير في سلسلةٍ الإيراداتُ فيها غيرُ مضمونةٍ وغيرُ محقّقة، كما يُسجَّلُ للرئيس فؤاد السنيورة جرأة الشفافية بالمبادرة إلى طلبِ أن تسترد الحكومة السلسلة. صحيح أنَّ مثل هذه المواقف ليست شعبية بالمعنى الإنتخابي للكلمة، لكن كان لا بدَّ من اتِّخاذ هذه الخطوة لئلا تتدحرج أحجار الإستقرار النقدي واستطراداً الإستقرار السياسي.

***

ماذا تعني مهلةُ الخمسةَ عشرَ يوماً؟

تنتهي هذه المهلةُ في آخر نيسان الجاري، فكم من الإجتماعات يمكن أن تعقدَها اللجنةُ التي شُكِّلَت في عطلة الأعياد؟

هناك إحتمالان:

إمّا أن تَطلبَ اللجنةُ تمديدَ المهلةِ المعطاة لها، وفي هذه الحال يطير كلُّ شيءٍ إلى العهد المقبل، وإما أن تُنجِز عملها ضمنَ المهلةِ المعطاةِ لها، ولكنَّ المجلسَ يكون قد دخل في الربع الساعة الأخير لمهلة الإستحقاق الرئاسيِّ، حيث لا يكون بيد رئيس المجلس نبيه بري سوى خمسة عشر يوماً للدعوة إلى جلسة الإنتخاب، أما بعد ذلك فيُدعى المجلس حكماً.

***

لكلِّ هذه الإعتبارات مجتمعةً يمكن القول إنَّ الإحتمالَ الأقرب أنَّ السلسلة قد تكون رُحِّلَت إلى العهد المقبل، وهو ليس بوقتٍ طويل، فكلُّها مسألة أسابيع، ومَن انتظر أعواماً يمكنه الإنتظار أسابيعَ، فتأتي السلسلة من دون الإعطاء باليد اليمين والأخذ باليد اليسار.