وهل ينفع الترقيع في الثوب المهلهل؟

هذه الحقيقة غالباً ما يجري تذكُّرها في كلِّ مرةٍ تتمُّ فيها محاولات ترقيعية لمعالجة أزمةٍ ما، على غرار ما حصل بالنسبة إلى تأمين الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام. وكدليلٍ على ذلك، فإنَّ احد الوزراء أسرَّ لأحد المقرَّبين، حين سُئل عن المخرج الممكن لأزمة دفع الرواتب، بالقول:

إنَّ العقل اللبنانيّ لا يتوقَّف عن إبداع الأفكار والحلول.

تحقَّق ابداع العقل اللبناني للمخرج، إنَّه أشبه بحرمان مريضٍ من الدواء لإعطائه لمريضٍ آخر!

فمع الإحترام للمبدِعين، هذا ليس إبداعاً. إنَّه بدعة في بلدٍ نَسِيَ المبادئ واعتاد البِدَع.

ما تمَّ التوصل إليه هو حلٌ موقّت لمعضلة دفع رواتب موظفي القطاع العام قبل عيد الفطر. لكنَّ الحلَّ أتى على حساب إحتياط الموازنة، ما يعني وقف الإنفاق على أنواعه في معظم الوزارات.

هناك أموال في الإحتياط، بدل أن توزَّع على الوزارات سيتمُّ إعطاؤها رواتب للموظفين، بما معناه:

سيتوقّفُ الصرفُ المالي في الوزارات لتسديد الرواتب، وقد أدرِج هذا البند على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء اليوم بصيغة نقلِ إعتمادٍ من الإحتياط الموزّع على الوزارات وتحويله إلى الرواتب.

هذه البدعة توفِّر رواتب للأشهر الثلاثة المقبلة، آب وأيلول وتشرين الأول، وهو ما تبقَّى من إحتياط، لكنَّه يسحب كلَّ المصاريف المطلوبة للوزارات، أي السحب من جيبة والوضع في الجيبة الثانية، ولكن ماذا بعد تشرين الأول؟

قبل طرح هذا السؤال لا بدَّ من طرح سؤال قبله:

ماذا لو احتاجت بعض الوزارات إلى مصاريف إستثنائية وعاجلة، فمن أين يتمُّ توفير الأموال لها إذا كان كلُّ الإحتياط ذهب إلى الرواتب؟

ثم نأتي إلى السؤال التالي:

ماذا بعد تشرين الأول؟

وهل من قطبة مخفية أو مؤشِّرٍ إلى أنَّ الأوضاع يمكن أن تتحسن حتى الخريف فتتأمن الرواتب من خارج الإحتياط؟

بئس ما يجري، ألم نقُل في هذه الزاوية بالذات إننا نعيش في جمهوريةٍ تعيش على المياومة؟

وها إنَّ المياومة وصلت إلى تأمين الرواتب:

كل شهر بشهره، ففي تشرين الأول لا إحتياط ولا موازنة فمن أين يتمُّ تأمين الرواتب؟

هنا بيت القصيد، فهل مهلة تشرين تنطبق أيضاً على إنتخابات رئاسة الجمهورية؟

مجلس النواب ينتقل من موعدٍ إلى موعد، على طريقة الإنتقال من مُسكِّن إلى مُسكِّنٍ آخر، الجلسة المقبلة في الثاني عشر من آب المقبل على طريقة تفاءلوا بالخير تجدوه. لكن هذا التفاؤل بالتأكيد لن يصل إلى درجة تفاءلوا بالرئيس تجدوه، فارتباط المواعيد ما لم يكن بالمؤشرات والمؤثِّرات الخارجية فإنَّه لن يُثمر إنتخاباً للرئيس:

فمن المؤثِّرات أنَّ المفاوضات بين الغرب وإيران جرى تمديدها حول الملفِّ النووي الإيراني، وانتهاؤها قد يحمل إتجاهاتٍ معيّنة بالنسبة إلى ملفَّات المنطقة ومنها ملفُّ الرئاسة في لبنان، ولهذا فإنَّ الرئيس بري يُقطِّع المراحل والمواعيد إلى حين إستتباب وضع المفاوضات ومعرفة أين سترسو.

ومن الملفَّات التي تنتظر، ملفّ إنجاز إعادة تكوين السلطة في العراق، فبعد النجاح في إنتخاب رئيسٍ للبرلمان تتجه الأنظار إلى إنتخاب رئيسٍ للجمهورية ثمّ رئيس الحكومة.

بعد هذه الملفَّات قد يأتي دور لبنان، وربما لهذا السبب تمَّ تأمين الرواتب حتى تشرين الأول المقبل، لكي تأتي الصيغة الجديدة لدفع الرواتب، أي الصيغة المعتادة متزامنة مع بدء العهد الجديد.

هكذا لا شيء في الصيف، أما الرئاسة فلها خريفها ان شاء الله.