أشعلت حرارة شهر آب العديد من الملفات، الحياتية والمطلبية، ومنها ما يتعدّى ذلك، ويبرز ويخفت بين الحين والآخر...

ولعل أبرز تلك الملفات هي:

- التقنين القاسي للتيار الكهربائي في عز فصل الصيف، والذي ينعكس على انقطاع مياه الشفا، وعلى مجمل نواحي الحياة المتعلّقة بهما.

- ارتفاع تحرّكات المياومين في "مؤسّسة كهرباء لبنان".

- استعداد الطلاب للعودة إلى الجامعات والمدارس، بعدما حُسِمَ الأمر بالنسبة للإفادة بالشهادة الرسمية للمرحلتين المتوسطة والثانوية.

ولكن هذه الحرارة لم تعط دفعاً لملف هام وحسّاس، ألا وهو سدّة رئاسة الجمهورية اللبنانية الشاغرة منذ 3 أشهر، إثر انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان (25 أيار 2014).

في غضون ذلك، يطفو على السطح مُجدّداً الواقع على الساحة اللبنانية، انطلاقاً من ارتدادات ما يجري على ساحات أخرى سواء في العالم العربي وإقليمياً، وهي التي عانت في الآونة الأخيرة من تداعيات الأحداث الأخيرة الجارية في سوريا، ثم ما يجري في العراق، وتنامي حالة "داعش" و"جبهة النصرة"، خاصة بعد خطف العسكريين في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وعدم بروز أي مفاوضات جدية لاستعادة العسكريين...

وأيضاً من تداعيات العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزّة الذي أدّى إلى سقوط 2133 شهيداً وأكثر من 11 ألف جريح، والمستمر منذ أكثر من 7 أسابيع، والاحتمالات المترتّبة على ذلك انطلاقاً من استخدام الساحة الجنوبية لإطلاق صواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة...

كما تنامي حالات السرقة الإجرام وتفشّي الآفات الاجتماعية، خاصة في أماكن تواجد النازحين السوريين، والاعتقالات التي نفّذتها الجهات الأمنية اللبنانية لتوقيف مناصرين لـ"جبهة النصرة" أو "داعش" أو خلايا إرهابية قبل القيام بعمليات إرهابية...

هذا الواقع أيضاً يستدعي جملة من تنسيق المواقف الداخلية، وتخفيف حدّة الاحتقان بالقصف السياسي بين فريقَيْ 8 و14 آذار، والانطلاق من نقاط التلاقي، حتى لا ينفذ المصطادون بالمياه العكرة لتحقيق مآربهم...

وكأنّ المسؤولين لم يعودوا يأبهون بواقع حال المواطنين، في ظل إمكانية التمديد والتمديد المتواصل، لما يريدونه، حتى سلب المواطن حقه بالتعبير عن رأيه باختيار مَنْ يمثّله في المجلس النيابي، فيجدون المبرّرات للتمديد للمجلس النيابي، كما هو واقع الحال في العديد من المناصب والمؤسّسات، وأيضاً انسحب هذا الأمر تمديداً على واقع أزمة المواطنين، الذين لا يكادون ينهضون من صدمة ما حتى يقعون في أخرى، وكأنّ الحل بأنْ يمنّون عليهم بإصلاح أعطال وتأمين ما هو مطلوب بدل تحقيق إنجازات جديدة.

انقطاع مريب للكهرباء والمياه

لقد سُجِّلَت خلال الأيام الماضية سلسلة تحرّكات من قِبل المواطنين الذين أقدموا على قطع الطرقات في صيدا والزهراني وغيرها من مناطق الجنوب، احتجاجاً على الانقطاع القاسي للتيار الكهربائي والمياه.

ولكن، وعلى الرغم من أنّ هذه المطالب المُحقّة، والتي يجب تحميل المسؤولية عنها للمسؤولين في "مؤسّسة كهرباء لبنان" و"مصلحة المياه" كل في منطقته، لأنّ الاستلشاق بحياة المواطنين بات لا يُطاق، ويزيد همّاً مضاعفاً على كاهلهم، من أجل تأمين اشتراكات للتيار الكهربائي من مولّدات خاصة وشراء المياه في بلد يكتنز ثروة مائية هائلة، لكن لا تتم الاستفادة منها، علماً بأنّ أصحاب المولّدات الخاصة أو المياه، يجنون أرباحاً من عملهم إلا الدولة التي تخسر، جرّاء الهدر أو السياسة غير الحكيمة في تأمين التيار الكهربائي، على الرغم من الإنفاق الهائل في هذه الوزارة، والذي فاق أضعافاً مضاعفة، ولكن لم يؤدِ إلى تحقيق أقل الحقوق للمواطن.

ولكن هناك مَنْ يرى أنّ الهدف من بعض التحرّكات التي تُنفّذ في المناطق هو توجيه استنفار دائم للجيش اللبناني والقوى الأمنية، ووضعه في جهوزية دائمة، وإشارات تحمل دلالات سياسية إلى إمكانية قطع الطرقات وإشعال الإطارات وحاويات النفايات، إذا ما احتاج بعض السياسيين إلى ذلك احتجاجاً على موقف ما أو توجيه رسالة إلى مَنْ يعنيهم الأمر.

خطف عناصر أمينة للمقايضة؟

في غضون ذلك، فإنّ معلومات توافرت إلى جهات أمنية في الجنوب، تُبدي الخشية من عمليات أمنية، يقوم بها عدد من مناصري "داعش" أو "جبهة النصرة" أو من "الخلايا الإرهابية" للقيام باستهداف أماكن عسكرية أو أمنية أو مؤسّسات رسمية، وتفجيرات، وحتى احتمالات خطف بهدف المقايضة مع موقوفين إرهابيين في السجون اللبنانية، ولا يُستبعد أنْ يطال ذلك العودة إلى استهداف قوّات الطوارئ الدولية "اليونيفل" العاملة في الجنوب، للضغط عليها من أجل إما تبديل خط سيرها بدلاً من الجنوب باتجاه بيروت أو إلى الأراضي الفلسطينية، أو للضغط على دولها للضغط على لبنان من أجل إطلاق سراح إرهابيين في السجون اللبنانية، أو العمل على سحب قوّاتها من الجنوب.

هذه المعلومات، لم تخفها بعض المصادر الأمنية، التي تتكتّم عليها، وتخشى من خلال استنهاض وتحريك بعض الخلايا النائمة، أو تحريك أو إغراءات مالية لبعض ذوي النفوس الضعيفة أو المحتاجين، وليس العدو الإسرائيلي ببعيد عن ذلك، لأنّ أحداثاً سابقة أثبتت أنّ هذا العدو له مصلحة في تأزيم الوضع الداخلي وتأليب الشخصيات والقوى بعضها على البعض الآخر، عبر عملائه الذين نجحت الأجهزة الأمنية في توقيف العشرات منهم، والذين يشكّلون خطراً كبيراً على لبنان والمقيمين فيه.

وهنا يُلاحظ أنّ الأجهزة الأمنية تُلقي القبض بين الحين والآخر على أشخاص مشتبه بهم سواء لانضمامهم إلى "خلايا إرهابية" أو إنّهم من المناصرين والمؤيّدين لهذه الخلايا أو "جبهة النصرة" و"داعش".

إطلاق الصورايخ وقصة إبريق الزيت

وقد شهدت الأيام الماضية عودة إلى إطلاق صواريخ "الكاتيوشا" من المناطق الجنوبية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعودة إلى قصة إبريق الزيت، ومنها ما جرى مساء الإثنين الماضي، حيث أُطلِقَ صاروخان من منطقة الجرمق في وادي الليطاني باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما عثرت الأجهزة الأمنية على 3 منصّات، اثنتان للصاروخين اللذين انطلقا منهما، والثالث لم ينطلق.

وقصفت قوّات الاحتلال محيط المنطقة وصولاً إلى خراج بلدة بلاط وسهل المدينة في منطقة النبطية بعدّة قذائف من عيار 155 ملم، تزامناً مع تحليق مروحيات حربية إسرائيلية بمحاذاة الخط الأزرق، وقيام دوريات إسرائيلية راجلة بخرق الخط الفاصل بالقرب من منطقة الوزاني، وإطلاق قنابل مضيئة لإنارة سماء المنطقة.

وسبق ذلك إطلاق صواريخ مساء السبت (23 من آب الجاري) من منطقة الظهيرة الحدودية في قضاء صور باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، ردّت عليها قوّات الاحتلال الإسرائيلي، بحيث أطلقت عدداً كبيراً من القذائف باتجاه المنطقة، ما أدّى إلى إلحاق أضرار مادية، فيما لم يُسجّل وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وقد عثر الجيش اللبناني على منصّتين حديديتين في المكان المذكور، استخُدِمَتا لإطلاق الصاروخين، وبوشرت التحقيقات في ظروف الحادث بالتنسيق مع قوّات الطوارئ الدولية.

وسارعت قوّات الاحتلال الإسرائيلي إلى تحميل الجيش اللبناني المسؤولية عن هذا الخرق، فيما صدر موقف إسرائيلي لاحقاً أشار إلى أنّ ما جرى هو حادث فردي وليس منظّماً، ويهدف إلى "جر "حزب الله" إلى حوادث مع إسرائيل".

وهذه الحوادث التي تأتي بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، صنّفها المراقبون إلى فئتين:

1- مَنْ يقوم بهذا العمل انطلاقاً من دافع، وغيرة لنصرة أبناء المقاومة في غزّة، ورفضاً للعدوان الصهيوني على القطاع.

2- مَنْ يقوم بهذا العمل ويهدف إلى محاولة زج الساحة اللبنانية بالصراع الدائر في غزّة، وهذا ينقسم أيضاً إلى قسمين:

أ- مَنْ يقوم بذلك لتنظيمات تعتبر أنّها تريد مناصرة غزّة.

ب- مَنْ يقوم بذلك بهدف مشبوه لخلق توتير في الجنوب، وإعطاء ذريعة للاحتلال الإسرائيلي بالقيام بعدوان على لبنان.

تعزيزات الاحتلال على الحدود

وإذا كانت قوّات الاحتلال الإسرائيلي ترصد دائماً الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان، فإنّ ذلك ارتفع مع عدوانها على قطاع غزّة، الذي ترتكب خلاله المزيد من المجازر والقتل والدمار بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وهي تترقّب احتمالات ردود على هذا العدوان، حيث تواصل تنفيذ مناوراتها العسكرية، سواء داخل مزارع شبع المحتلة، بمشاركة المدفعية الثقيلة ودبابات الميركافا، مواكبة مع تحليق مكثّف للطيران الحربي الإسرائيلي، ومستخدمة لمختلف أنواع الأسلحة، لحرب تُحاكي حرب العصابات، وبطبيعة جغرافية أيضاً شبيهة بمناطق لبنانية وفي قطاع غزّة تحسّباً لأي تطوّرات.

ودفعت قوّات الاحتلال الإسرائيلي بتعزيزات إضافية إلى مواقعها على طول الشريط الحدودي مع لبنان، وداخل مزارع شبعا، مع تمشيط دائم لهذه الحدود، ومواكبة بمختلف أنواع التجسّس سواء عبر طائرات الاستطلاع "أم.ك." أو البالونات أو كاميرات المراقبة، فضلاً عن تنشيط عيونها من الجواسيس في الداخل اللبناني، وتحريك حتى زوارق بحرية تجوب عرض المياه قبالة الشاطئ اللبناني.

في غضون ذلك، فإنّ قوّات "اليونيفل" تقوم بدوريات مكثّفة في المنطقة بالتنسيق مع الجيش اللبناني، وخاصة بمحاذاة الخط التقني مقابل مواقع الاحتلال، تحسّباً لأي تطوّرات، فضلاً عن إقامة حواجز ثابتة ومتنقّلة في أكثر من منطقة جنوبية.

ويبرز الحديث عن دور قوّات "اليونيفل" المكلّفة بتنفيذ القرار الدولي 1701، والتي تم تعزيزها في مثل هذه الأيام من العام 2006 بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز وآب من العام ذاته.

خشية الأمن الذاتي

الخشية من الواقع الأمني وإمكانية استخدام البعض للقيام بتوتيرات، قد يدفع بالبعض الآخر إلى تعزيز الأمني الذاتي، وخاصة في أماكن محدّدة، ولعل المنطقة الحدودية في شبعا والعرقوب وحاصبيا، كان هناك مَنْ يسعى إلى إيجاد فتنة فيها، لضرب نسيجها الطبيعي المتجسّد بين مختلف مكوّنات المجتمع اللبناني، ومحاولة إيقاع شرخ مع النازحين السوريين إلى المنطقة، هو ما استدعى قيام عدد من المسؤولين بزيارات وجولات متبادلة، من أجل تأكيد أنّ الجميع يجب أنْ يتعالوا عن المصالح الضيّقة، وعدم إفساح المجال لأي كان لإيجاد خلافات في هذه المنطقة تحت أي من العناوين، لأنّ المعركة الوحيدة هي في مواجهة العدو الصهيوني، الذي يتربّص بلبنان وفلسطين، وهذه المنطقة – أي منطقة العرقوب وحاصبيا - في طليعة المتصدّين لهذا العدو، ودفعت أثماناً كبيرة وباهظة في مواجهته، وما زالت هناك أراض محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، كما تم التأكيد على أهمية الفصل بين الحالات الإنسانية ومحاولات البعض لاستخدام أي من النازحين في الصراع الداخلي الذي ينعكس تأزيماً وتوتيراً مذهبياً وطائفياً.

تحرّك فلسطيني استباقي

أما فلسطينياً، فيتوزّع الاهتمام الفلسطيني على الساحة اللبنانية على عدّة محاور، في مقدّمها:

1- سُبُل دعم الصمود الفلسطيني في قطاع غزّة وتصدّي المقاومة للعدوان الصهيوني على القطاع.

2- تنسيق المواقف مع الجهات اللبنانية لأوسع حملة تضامن ودعم لصمود قطاع غزّة وتأمين المساعدات للقطاع.

3- شكر الدول التي وقفت إلى جانب فلسطين، وخاصة الدول في أميركا اللاتينية، التي سيتم تكريمها مساء اليوم (الأربعاء) في سفارة دولة فلسطين ببيروت.

4- زيارات للمسؤولين اللبنانيين الرسميين والعسكريين والأمنيين والروحيين والسياسيين والحزبيين لجهة تنسيق المواقف أو بحث تطوّرات الملف الفلسطيني سواء في قطاع غزّة والضفة الغربية والقدس لوضعهم في تطوّرات الاعتداءات الإسرائيلية، أو لبحث ملفات مشتركة على الساحة اللبنانية.

5- اجتماعات ولقاءات فلسطينية داخلية من أجل تحصين الوضع الداخلي، وعدم السماح لمَنْ يحاول استخدام ساحة المخيّمات لتنفيذ "أجندات خارجية".

وفي هذا الإطار، استقبل قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في مكتبه باليرزة، سفير دولة فلسطين لدى لبنان أشرف دبور وأمين سر حركة "فتح" وفصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان فتحي أبو العردات، حيث جرى التطرّق إلى الأوضاع العامة والشؤون التي تتعلّق بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

كما زار وفد من قيادة "الأمن الوطني الفلسطيني" برئاسة اللواء صبحي أبو عرب، وضم نائبه اللواء منير المقدح وأمين سر منطقة صيدا لحركة "فتح" وفصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" العميد ماهر شبايطة وقائد "القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة" في مخيّم عين الحلوة العميد خالد الشايب وأحمد عبدالله محافظ الجنوب منصور ضو في مكتبه بسراي صيدا الحكومي، بحضور الزميل ​هيثم زعيتر​، والتأكيد على أهمية تنسيق العلاقات اللبنانية – الفلسطينية بما يؤدي إلى إراحة اللبنانيين والفلسطينيين على حد السواء.

وأيضاً واصلت اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا اجتماعاتها لبحث آخر التطوّرات سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو على الساحة اللبنانية، وسُبُل تحصين وعمل القوّة الأمنية، التي تحظى بدعم مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية، وإشادة من مختلف الفاعليات والقيادات والقوّة اللبنانية، وهو ما ترك ارتياحاً كبيراً لدورها وتعاونها مع جميع مكوّنات الشعب الفلسطيني من لجان أحياء وقواطع ولجان شعبية ولجنة المتابعة والمبادرات الشعبية والشبابية في المخيّم.

وتم وضع خطة تحضيراً لانطلاق العام الدراسي في مدارس "الأونروا"، وسبل إزالة كافة التعديات على الأرصفة التي تعرقل عملية توجّه الطلاب ذهاباً وإياباً إلى مدارسهم، إضافة إلى إمكانية تطوير نشر "القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة" في مخيّمات أخرى بما يريح ويعزّز الوضع داخل هذه المخيّمات.