ليس النائب وليد جنبلاط وحده المنزعج من "لعبة الديكور" الحزبي في نقابات المهن الحرة، بل كثيرون من الاحزاب والقوى السياسية التي يبلعها السمك الكبير او حيتان السياسة. احزاب 8 آذار السنية او القوى الوطنية واليسارية والناصرية في 8 آذار، وخصوصاً في العاصمة تشعر انها "تؤخذ" على حين غرة تارة من ابن الطائفة، تيار المستقبل وتارة اخرى من التحالف القواتي- العوني.

اذ يصر الثنائي المسيحي على تولي مسيحي منصب نقيب الاطباء للمرة الثالثة على التوالي بعدما كان العرف ينص على ان يكون منصب النقيب مداورة بين المسلمين والمسيحيين. كما يرفض الثنائي الاتيان بسني آخر غير ممثل تيار "المستقبل"، ذلك ان العرف ايضاً ان يكون مجلس النقابة من 16 عضواً 8 مسيحيين و8 مسلمين بين الشيعة والسنة والدروز يتوزعون بين "حزب الله" و"حركة امل" و"الحزب الاشتراكي" وتيار "المستقبل".

إستبعاد الاحزاب الكبرى في الطوائف اللبنانية الاساسية للاحزاب الصغيرة من ابناء "جلدتها"، يجعل الاحزاب الصغيرة، امام امتحان جدي ويومي امام جماهيرها التي تشعر هي ايضاً بالغبن فلا يمكنها ان تهضم عند كل استحقاق ان تستبعد اوتهمش ولا يأخذ احد بتمثيلها وكأنها غير موجودة. وتعتقد هذه القوى ان افرازات ما بعد الطائف هي التي تعطل كل الحياة السياسية الحقيقية الفعلية والديمقراطية اليوم في لبنان في ظل تكوين للسلطة قائم على اساس الثوب المفصل، او قانون انتخابي معلب يضمن حصة الكبار من الاحزاب والطوائف في مناطقهم ودوائرهم الانتخابية وحيثيات القانون مفصلة "عالبكلة" على قياسهم. وكأن السطور الجامدة في متون القانون تتكلم نريد فلاناً وفلاناً فقط. وهذا ما حدث في الانتخابات البلدية والاختيارية في المراحل الثلاث الماضية، حيث فاز من حاز على اكثرية الاصوات بينما خسر بعض المرشحين المستقلين او التابعين للاحزاب كالشيوعي مثلاً والناصري، على بضع مئات او آلاف من الاصوات. كانت تؤهل المجتمع المدني في بيروت والناصري في صيدا والشيوعي في حولا وكفررمان وصريفا والبازورية على سبيل المثال، ان يحوزوا على تمثيل واسع كبير اذا كان القانون نسبياً ولا يلحظ تقسيمات محفورة حفراً.

في المقابل لا ينجو التحالف المسيحي المستجد بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" من الانتقادات التي توجه من قوى 8 آذار السنية والوطنية واليسارية والناصرية، اذ تعبر عن نفس طائفي ومذهبي يستفز هذه القوى ويستفز شارعها، الذي كفر بالحرب الاهلية وبالحرب التي حملت هذا الخطاب من الفيدرالة الى "الكنتنة" وحقوق المسيحيين والجبهة اللبنانية في حين يعتبر "الوطنيون" انهم كانوا يمثلون أمة اكانت قومية او اسلامية او عربية.

وفي حين يغرد حزب "الكتائب" خارج الثنائي المسيحي لتحقيق مصالحه بالتكافل والتضامن مع "تيار المستقبل"، يتهم الثنائي "الكتائب" انه واجهة لتنفيذ مآرب "المستقبل" بعزل المسيحيين واستهداف العماد ميشال عون، وقطع الطريق امامه للوصول الى بعبدا. وتسفيه كل خطوة وكل مشروع وكل حراك يقوم به التيار الوطني الحر ومنعه من تحقيق اي انجاز، كي لا يظهر الا بمظهر المنتصر والحامي لمصالح حزبه بعد الطائفة والوطن ويبقى حائراً بين خطاب في المنابر لا يتحقق على الارض.

وتؤكد مصادر قيادية في "التيار الوطني الحر"، ان اتهام التحالف الثنائي بالاستيلاء على حقوق الآخرين مردود من اساسه ولا يعبر عن واقع الحال. فالاجدى بهؤلاء النظر الى المسبب وليس النتيجة فمن يستهدف المسيحيين هو تيار المستقبل ويريد عزلهم وقضم حقوقهم ورمي الفتات لهم على ساعته وتوقيته، فهو لا يوفر ابناء طائفته الآخرين فكيف بالمسيحيين. فنحن حين نعبر عن خطابنا لا نريد ان نظهر طائفيين او مذهبيين او مناطقيين ولكننا مجبرون على مجابهة تيار المستقبل مع الاعتراف ان بعض القيادات المسيحية باتت مغالية باختيار بعض التعابير التي قد تستفز الآخرين وهي لا تعبر بحقيقة الامر عمّا يفكر به قائدا التيار والقوات.

نقابة الاطباء او اي نقابة ثانية او اي استحقاق بلدي او انتخابي، وما يستعمل خلالها من خطاب لشد العصب، يرى كثيرون ان هذا الخطاب المسيحي والممارسة المموهة للمستقبل يدفع ثمنها من يناله شظايا اشتباكهما ومنهم القوى المسيحيية الاخرى غير القوات والتيار والكتائب والسنة غير المستقبل والدروز غير الاشتراكي. فسد جنة ليس سداً مسيحياً من كسروان ليسقي ُسنة بيروت، انما هو انجاز للتيار الوطني الحر وهو كقوة سياسية اساسية في الحكومة ومجلس النواب والحياة السياسية اللبنانية له كامل الحق ان يكون صاحب مشروع وحقوق. وان يطالب بحقه كلما سنحت الفرصة فالاستهداف لم يعد بالمشاريع والانجازات بل صار يتعدى الى الوجود السياسي والجغرافي والبشري فمن اتى من خلف الحدود على حين غفلة لا يحق له ان يصادر الآخرين.

في المقلب الآخر وحيث يتحالف الشريك الاسلامي الشيعي مع "التيار الوطني"، ويجتمع "المستقبل" مع المسيحي الآخر ويضمن حواره مع الشيعي حقه، يبقى السني البيروتي تحديداً رهن الاشتباكات والمصالح الكبرى. وبين هذه المعارك كلها يقطع الوقت وتفصل الازمات على قياس المصالح سواء غطيت بالطائفة او الحزب او الشغور فكلها ستائر لمسرح يقوده كومبارس الى حين عودة الممثلين الابطال.