انتهت زيارة العاصفة "نورما" الى ​لبنان​ بعد قضائها ثلاثة أيام طويلة، تاركة خلفها الكثير من الخيرات، والكثير من المصائب أيضا. تزيّنت الجبال التي تعلو عن 1200 مترا باللون الأبيض، وتساقط ما يزيد عن 200 ملم من ​الأمطار​، غذّت الأنهر و​المياه​ الجوفية، وساهمت بتفجّر الينابيع والعيون العذبة، ولكنها بنفس الوقت تركت خلفها مزارعين خسروا مواسمهم، وأصحاب بيوت تحولّت لمستنقعات، وعدد من مالكي سيارات تحوّلت خردة، أو ربما الى ​سيارة​ برمائية.

نادرا ما يستفيد لبنان من مياه الأمطار الكثيفة، فلا مكان كاف لحفظ ​الامطار​ لوقت الحاجة، فتتجه الى البحر، ولكن المياه الجوفيّة تستفيد كثيرا من ​الثلوج​، فهي تذوب ببطء وتقدم للأرض الخيرات التي تحتاجها لتمتلئ. في العاصفة "نورما"، شهدت المرتفعات تساقط كميات كبيرة من الثلوج التي ستغذي بلا شك الآبار الجوفية.

كذلك لا يجب المرور على كميات المتساقطات دون الحديث عن ​نهر الليطاني​، الذي يستفيد من جهّة من تزايد كميات المياه فيه لناحية تخفيف "كثافة" الملوِّثات فيه، ويُضرّ من جهة اخرى بسبب كميّات ​النفايات​ الضخمة التي وصلت الى مجراه من محيطه القريب والبعيد.

أما بالنسبة للأضرار، فهي كثيرة، من البيوت التي دخل إليها الردم كما حصل في ​قصرنبا​ وعكار، وتلك التي سقط عليها الصخر، في ​فنيدق​، الى الأراضي الزراعية التي غرقت بمياه الأنهر، كما حصل على ضفاف نهر الليطاني و​نهر العاصي​، مرورا بالسيارات التي تضررت في ​الضبية​ و​انطلياس​ وغيرها من المناطق، وصولا الى الجرحى أو الضحايا.

مع انطلاق العاصفة أوصى ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ ​الهيئة العليا للإغاثة​ بالتعويض على المتضررين، الأمر الذي يشدّد عليه الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة ​اللواء محمد خير​، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن الهيئة معنيّة بالتعويض عن كل ضرر يؤثّر على مصلحة المواطن بسبب العاصفة.

أنشئت الهيئة العليا للإغاثة إبان الحرب اللبنانيّة لمواجهة الحالات الطارئة التي لا يمكن لها أن تنتظر البطء الإداري، واستمرت حتى يومنا هذا مع توسيع إطار عملها ليشمل امورا تقع من ضمن واجبات الوزارات ولا تعتبر طارئة ولا مستعجلة، مثل المشاريع التنمويّة التي أوكلت إليها في مدينة ​عرسال​ والقرى المحيطة بها العام ما قبل الماضي.

اذا قررت الهيئة العليا للإغاثة التعويض عن كل أضرار "نورما" ولكن بشرط أن تكون الأضرار ناتجة عن قوّة العاصفة لا هشاشة الشيء المتضرر. يقول خير: "نحن لا يمكننا أن نعوّض مثلا على منزل متزعزع بسبب تقصير مالكه، ولا عن سيارة معطّلة كانت متوقفة في مكان ما، الأمر الذي يفرض على البلديّات التدقيق بكلّ الحالات التي تُرسل الينا"، مشيرا الى أنها تخضع أيضا للتدقيق من قبل ​الجيش اللبناني​ قبل صرف التعويض.

أما في الشق المالي، فلا بد من الإشارة أولا الى أن الهيئة العليا للإغاثة تصرف الأموال المتأتّية من اعتمادات يصرفها لها ​مجلس الوزراء​، فهي مثلا صرفت في العام 2017، حوالي 70 مليار ليرة لبنانية، وصلت إليها عبر 6 اعتمادات. إن نظام الصرف هذا يجعل من حصول الهيئة على الاعتمادات حاليّا من الامور الصعبة، فاللواء خير وإن كان قد رفض التعليق على هذه المسألة في سياق الحديث، الا أنه كان واضحا أن الهيئة ستنتظر القرار من مجلس الوزراء. وهنا نستذكر حال الخزينة العامة الصعبة، والقيمة الكبيرة المفترضة للتعويضات.

يؤكّد خير أنه بالوقت الحالي يتم التعاون مع ​وزارة الاشغال​ العامة والنقل ومنظمات الموارد المائية والهيئات المدنية من اجل تقييم ومعالجة أضرار العاصفة، مشددا على أن الهيئة ستحاول جاهدة الوقوف الى جانب كل مواطن متضرر.

يبدو بحسب المعطيات المناخيّة ان نورما لن تكون العاصفة الاخيرة لهذا العام لذلك يجب التحضّر للعواصف ومحاولة تقليل وحصر الاضرار لأنّ التعويض، وإن وُجد، فلن يكون كافيا لمن يخسر حياته مثلا بسبب العواصف.