كما كان مُتوقّعًا، رفع رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" ​سمير جعجع​ في "قداس شهداء المُقاومة اللبنانيّة" الذي أقيم في ​معراب​ الأحد، سقف مُواجهته السياسيّة والإعلاميّة مع أكثر من طرف، لا سيّما مع "التيّار الوطني الحُرّ" من دون أي يستثني العهد هذه المرّة. فما هي المُلاحظات التي يُمكن تسجيلها في ضوء مَضمون هذا الخُطاب التصعيدي:

أوّلاً: كان لافتًا غياب أيّ مُمثّل عن رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ في المهرجان الذي حضره مُمثلان عن كل من رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​، بعكس السنوات السابقة التي تمثّل فيها الرئيس عون في الحفل عينه. وبدا واضحًا من مَضمون كلمة جعجع إنسحاب التدهور الخطير في العلاقة بين حزب "القوّات اللبنانيّة" و"التيّار الوطني الحُرّ" على علاقة "​القوات​" بالعهد ككل. وقد إتهم جعجع في كلامه "الطرف الآخر" بالتنصّل من "ورقة النقاط العشر" السياسيّة، وكذلك بالإنقضاض على "إتفاق معراب والتنكّر له والتنصّل من مُوجباته، وكأنه أراده لمُجرّد الُوصول إلى الرئاسة" في دلالة على حجم التدهور الذي بلغته العلاقة بين الطرفين، حيث يبدو أنّ غياب التواصل بين رئيس "القوات" ورئيس الجُمهوريّة مُرشّح للإستمرار في المرحلة المُقبلة، خاصة وأنّ جعجع تحدّث عن عهد ليس بقدر الآمال، وعمّا إعتبره سُقوط "مفهوم الدولة وفقد هيبتها وتراجع دولة القانون"، وقارن بشكل غير مُباشر بين ما يحصل اليوم، وفترة إنتخاب "قائد القوّات" الراحل الشهيد بشير الجميّل رئيسًا للجمهوريّة، للتصويب على "الجنرال".

ثانيًا: شنّ رئيس "القوات" في كلمته هُجومًا سياسيًا وإعلاميًا لا يقلّ قساوة على "​حزب الله​" من دون أن يسمّيه، ولكنّ كلامه في هذا السياق لم يخرج عمّا هو مألوف بالنسبة إلى نظرة "القوات" إزاء "الحزب" منذ سنوات، لكنّ الجديد تمثّل باتهام العهد والتيّار من دون أن يسمّيهما "بدعم سلاح خارج الدولة والإستقواء به على باقي المسيحيّين واللبنانيّين".

ثالثًا: هاجم رئيس حزب "القوات" بعنف رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" وزير الخارجية والمُغتربين جبران باسيل من دون أن يسمّيه أيضًا، في سياق سلسلة من التهجّمات المُتبادلة بين الطرفين في الأشهر القليلة الماضية، ما يدلّ على أنّ كل الجُهود التي بذلت في السابق، لا سيّما من جانب النائب إبراهيم كنعان والوزير السابق ملحم الرياشي قد ذهبت سُدى، على الرغم من تحدّث جعجع عن التمسّك بالمُصالحة. لكنّ العلاقة السياسيّة بين "القوات" و"التيّار" بلغت حاليًا إحدى أسوأ مراحلها، وقد بدأ هذا الواقع ينعكس على العلاقات بين مُناصري الطرفين من جديد، في ظلّ توقّعات بإستمرار التصعيد المُتبادل في المرحلة المُقبلة.

رابعًا: ظهر تراجع علاقة حزب "القوات" مع "تيّار المُستقبل"، في كلام جعجع عن "مُحاولات عزل ومُحاصرة القوات من الأقربين والأبعدين"، حيث أنّ "المُستقبل" هو المقصود الأوّل بكلمة "الأقربين"، لكن رئيس "القوات" ترك الباب مفتوحًا لمُعالجة علاقته مع "التيّار الأزرق" الذي لم يُسمّيه أصلاً في إنتقاده، بينما لم يترك "للصلح مطرح" مثلاً مع "التيار الوطني الحُرّ". ويُمكن القول إنّ تطوّر علاقة "القوات" و"المُستقبل" مُرتبط بشكل مُباشر بأسلوب تعاطي "التيار الأزرق" مع "القوات" في المرحلة المُقبلة، حيث أنّ الأمور مُرشّحة إمّا للتحسّن من جديد وإمّا للتراجع بشكل دراماتيكي، تبعًا لكيفيّة تصرّف رئيس الحكومة سعد الحريري مع "القوات" ولمدى تفضيله العلاقة مع "التيار الوطني الحُرّ" على العلاقة معه.

خامسًا: هاجم جعجع الفساد بشكل كبير، لكن بقي كلامه ضُمن العُموميّات من دون فضح أيّ صفقة مُحدّدة، علمًا أنّ كل المَعلومات تُشير إلى أنّ حزب "القوّات" قرّر فتح أكثر من ملف فساد، عبر أكثر من خط في المرحلة المُقبلة، حيث يُتوقّع أن يقوم الوزراء من المحسوبين عليه في الحُكومة بلعب دور المُعارضة الداخليّة لأي مشاريع أو تعيينات لا تتمّ وفق الأصول القانونيّة المرعيّة، وأن يقوم نوّاب "القوات" بدور رقابي قاسٍ داخل مجلس النواب.

في الخُلاصة، لا شكّ أنّ رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" أعطى في خطابه الأخير "الضوء الأخضر" لإنطلاق حزبه في تطبيق سياسة "الهُجوم أفضل وسيلة للدفاع"، الأمر الذي سيُعرّضه لنيران سياسيّة وإعلاميّة مُقابلة، وسيضع علاقاته على المحكّ مع أكثر من طرف سياسي. لكن "القوات" لم تكن البادئة في هذا النهج، و"الكيل قد طفح" بالنسبة إليها–بحسب مصادرها.