ما هو المطلوب؟ ما هو السيناريو الذي يجب أن نعيشه؟ ماذا تريد الدّول منّا؟ إلى متى سنبقى دمىً في يد الغرب حينًا والشرق أحيانًا؟!.

والغريب انّ ما رأيناه في منطقة الطيّونة ومحيطها حصل على مرأى من أعين موفدين دوليين، يسرحون ويمرحون في بلادنا، ويستخّفون فينا، لأننا لا نملك الحسّ الوطني الكبير، ولا التضامن ولا التضافر الأخوي والشعور الإنساني.

فعلًا، بعضنا لا يملك في هذا البلد حسّ الوطنية، ولا الشعور بالإنتماء إلى وطن سيد حر مستقل. نحن شعبٌ ننجرّ كالغنم وراء زعماء وأجندات، ونعمل على إشعال الفتن الدمويّة إكرامًا لأسياد الخارج، الذين اتّخذوا من هذا البلد مختبرًا لتحريك الفتن في هذه المنطقة. ما حصل بين الشيّاح وعين الرمانة، ليس إلا صدى للحقد القائم عند شريحة لم تستطع أن تنزع عنها ثوب الحرب من الأحزاب والطوائف التقليدية.

ما ذنب المواطنين الأبرياء الذي سقطوا؟ ما ذنب شهداء ٤ آب؟ ما ذنب المواطن الذي يدفع ثمن التناطح السياسي في هذا البلد؟ ما ذنب الناس الذين يدفعون غاليًا من أرواحهم وأرزاقهم وبيوتهم فداءً عن الزعماء، الّذين منهم لا يعيشون إلا على دم الأبرياء؟!.

إلى متى سنبقى رهائن الطابور الخامس، الذي أصبح كقصة راجح عند الرحابنة! إلى متى سيبقى الخوف مسيطرًا علينا من السّلاح، الذي لا يدلّ إلا على عدم إيمان الناس وثقتهم بالدولة اللبنانيّة! هناك من يسعى إلى إبقاء البلد ساحة مفتوحة للصراعات، ليبقوا اسيادًا على عبيدٍ، اعتادوا أن يكونوا خانعين.

دماء الأبرياء تروي الأرض، وبعضهم ينظّر باستنكار من هنا وإتّهام من هناك، والعدالة غائبة أو مغيّبة.

ساعات اعادتنا إلى سنوات مضت. مشاهد جعلتنا نعيش حقبة الـ٧٥ وما بعدها (أيّام الحرب اللبنانيّة)، مع فارق بسيط أنّ الجيش اللبناني لم يكن في موقع المتفرّج، ولو تأخّر للتدخل، كما ادّعى البعض. حمى الله جيشنا من التشرذم والإنقسام والضعف، وحماه من تدخلات السياسيين.

السلم الأهلي، يا سادة يا قوم، هو الخطّ الأحمر. لقد سرقتم ونهبتم أموال الناس، واذللتموهم بطوابير المحروقات والخبز والدواء، وها أنتم تسرقون منهم سلمهم الأهلي، وكأني بكم متّفقون على هذا السيناريو، لكي يبقى الآدمي في هذا البلد، رهينة للزعران.

كيف بدأت وكيف توقّفت لا أحد يعرف! إنّما الواضح ستة ضحايا وأكثر من ثلاثين جريحًا، وقبلهم شهداء المرفأ، وشهداء على مرّ السنوات. هذا بالإضافة إلى خسائر كبيرة في البيوت والمتاجر والسيارات، وهلعٌ وخوفٌ لا يصدّق. وقد لمست هذا الشعور، من خلال اتصالاتي بالناس في تلك المنطقة مستفسرًا ومطمئنًا عنهم. واكتشفت أن الجيل الجديد لا يزال يدفع ثمن أخطاء وأحقاد جيل الحرب، الذي لا يعيش إلا على الدم.

لم يعد المواطن المسكين يملك ذرّة من الإيمان والثقة بالمسؤولين، ولا بالقضاء أو بالمصارف، لم يعد لدينا إيمان إلا بالجيش لكي يحمي القلّة القليلة التي قررت أن تبقى في هذا البلد، بعد أن هجره مُكرهين نخبة من شبابه، دون أن نأسف على هذه المبادرة. فنرجوك يا الله أنقذ لبنان من الفتن المتنقلة، وأبعد شبح الإنقسام عن جيشنا، وصُن وحدته، واجعله أمينًا على قَسمه، لأجل أن يحمي ما تبقّى من لبنان الذي نحب.