بانتظار أن تعود "الحركة" إلى مشاورات تأليف الحكومة، مع عودة رئيس الحكومة المكلّف ​نجيب ميقاتي​ من إجازة عيد الأضحى المبارك، في ضوء "الجمود" الذي يشهده الملف، منذ تقديمه المسودّة الأولى التي لم تلقَ "مباركة" رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، بدا من حراك الأيام القليلة الماضية أنّ "بازار الرئاسة" قد افتُتِح رسميًا، ولو "قبل الأوان".

في هذا السياق، يرى كثيرون أنّ الاهتمام انتقل في عطلة عيد الأضحى من الملف الحكومي إلى الرئاسي، في ظلّ بدء التكهّنات حول إمكانية إنجاز استحقاق ​الانتخابات الرئاسية​ في موعدها، وسط توقعات بأن يعمد رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ إلى الدعوة لجلسة مخصّصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية مطلع أيلول المقبل، رغم "الشكوك" المحدقة بها.

وبالفعل، بدأت الصالونات السياسية تضجّ بالأسماء "المحتملة" التي يتوقع أن تنافس على رئاسة الجمهورية، وبعضها "مرحَّل" منذ الاستحقاق الماضي، كرئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، فيما بعضها الآخر هبط بـ"المِظلّة"، علمًا أنّ بعض الأوساط السياسية لا تستبعد أن يكون رمي بعض الأسماء بالتحديد جاء "متعمَّدًا" بغية "حرقها"، على جري العادة.

وبين هذا وذاك، ثمّة من يكاد يجزم أنّ فرنجية سيكون "المرشح الأساسيّ" لقوى الثامن من آذار في هذا الاستحقاق، بقيادة "​حزب الله​" الذي يُقال إنّه أبلغ رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق ​جبران باسيل​ سلفًا بموقفه هذا، ما يطرح تساؤلات بالجملة عمّا إذا كان الأخير يمكن أن يسير بـ"تسوية" من هذا النوع، بعد سنوات طويلة من "الخصومة".

يقول العارفون إنّ "حزب الله" حسم أمر دعمه لترشيح فرنجية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في حال لم تهبّ "الرياح التوافقية" على الاستحقاق، كما أوحت مثلاً "المواصفات" التي حدّدها البطريرك الماروني ​بشارة الراعي​ للرئيس العتيد في عظة الأحد، حين دعا للبحث عن مرشح "متجرّد يكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب"، وذلك لعدّة أسباب واعتبارات ترتبط بالعلاقة "القوية" مع "البيك"، التي لم تهتزّ حتى في استحقاق 2016.

ومع أنّ "الحزب" متمسّك بصمته المطلق في الملف الرئاسي، وسبق أن نفى في عدّة مناسبات أن يكون قد "قطع أيّ وعد" لأيّ مرشح في "8 آذار" أو خارجها بدعمه في الاستحقاق الرئاسي المرتقب، يعتقد كثيرون أنّ دعمه لفرنجية بمثابة "تحصيل حاصل"، إذا ما توافرت لدى الأخير فرص "جدية" للفوز، وهو يضع ذلك في خانة "التعويض" للرجل عمّا أحاط بانتخابات 2016 من التباس، بعدما وصفه الأمين العام للحزب ​السيد حسن نصر الله​ بـ"إحدى عينيه".

ويرى هؤلاء أنّ دعم "حزب الله" لفرنجية ليس على حساب باسيل الذي، وإن وصفه بعض المقرّبين بـ"المرشح الطبيعي للرئاسة"، يدرك أنّ فرصه في هذه الدورة بالتحديد "شبه معدومة"، وهو قد لا يستطيع أن يحصد صوتًا واحدًا خارج إطار كتلته النيابية و"حزب الله"، في حين أنّ فرص فرنجية قد تكون "أوفر"، ولا سيما أنّه كان من الأسماء التي طرحتها بكركي قبل ستّ سنوات، فضلاً عن كونه "منفتحًا" على جميع الأطراف في الداخل والخارج.

لكن، إذا كان اسم فرنجية يُطرَح اليوم، بوصفه مرشحًا "أساسيًا" للرئاسة، في مواجهة أسماء قد تكون بأغلبها من الشخصيات "الوسطية"، أو "الرمادية"، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه وسط ذلك، يتمحور حول مقاربة "التيار الوطني الحر" تحديدًا لهذا الترشيح، فهل يمكن للوزير باسيل أن يتبنّاه مثلاً، قافزًا بذلك فوق سنوات "القطيعة" التي طبعت العلاقة، وما تخلّلها من اتهامات متبادلة؟ وهل تتوفر الظروف "الموضوعية" المؤاتية لمثل هذا الدعم؟

الأكيد، وفق ما يقول العارفون، أنّ دعم باسيل لفرنجية في استحقاق الرئاسة بات اليوم "احتمالاً واردًا"، ولو أنّ أسهمه لا تزال "غير مرتفعة" وفق بعض التقديرات، بعدما كان قبل أشهر قليلة من "سابع المستحيلات"، بأتمّ معنى الكلمة، وذلك بفعل التحسّن الكبير الذي شهدته العلاقات، منذ ما يوصَف بـ"المصالحة" التي رعاها السيد حسن نصر الله على مائدة الإفطار الشهير الذي جمعهما برعايته في حارة حريك في شهر رمضان الماضي.

ويشير العارفون إلى سلسلة مؤشّرات حول تحسّن العلاقات تلت ذلك الإفطار، حيث غابت "الحروب الكلامية" في الاتجاهين، وتوقّف "التراشق" بين قياديّي هذا الفريق وذاك، بل استُبدِلت "الحملات" بما يشبه "الاحترام المتبادل"، الذي كاد يرقى لمستوى "التحالف" أو بالحدّ الأدنى "التنسيق"، الذي رُصِد مثلاً في أولى جلسات البرلمان، حين صوّت تيار "المردة" لصالح الياس بو صعب مثلاً نائبًا لرئيس مجلس النواب.

ولعلّ اللقاء "اللافت" الذي جمع قبل أيام الوزير السابق جبران باسيل والنائب فريد هيكل الخازن، عضو "التكتل الوطني المستقبل"، بدا بدوره معبّرًا على صعيد "توطيد الجسور" بين الجانبين، خصوصًا أنّ بعض التسريبات وضعت اللقاء في خانة "جسّ النبض" تمهيدًا للقاء قد يجمع بين باسيل وفرنجية، لتنسيق المواقف من الاستحقاق الرئاسي، ولو أنّ "الضبابية" لا تزال تحيط بتوقيته وشكله، ومدى نضوج الظروف الملائمة له.

في مطلق الأحوال، يقول العارفون إنّ كلّ ما سبق لا يعني أنّ باسيل سيتبنّى ترشيح فرنجية للرئاسة، وذلك لأنّ ظروف المعركة لم تتّضح بعد، وهي تبقى متروكة لربع الساعة الأخير، ولا يستطيع أن يتكهّن أحد من الآن بأيّ "تسوية" يمكن أن تركب، وثانيًا لأنّ القاصي والداني يدرك أنّ مثل هذا الدعم لن يكون "مجانيًا"، وأنّ "ثمنًا ما" سيطلبه باسيل مقابل السير بخيار فرنجية، قد يكون أقرب إلى "تفاهم معراب"، ولكن بالاتجاه المضاد.

يقول البعض إنّه من المبكر لأوانه حسم المواقف من الاستحقاق الرئاسي، بل إنّ المرشح الذي يوصَف اليوم بـ"الأساسي"، قد يجد نفسه غدًا "على الهامش"، إذا ما تغيّرت الظروف الإقليمية والدولية، علمًا أنّ الأيام القليلة المقبلة قد تكون حافلة بالمفاجآت على هذا الصعيد، إلا أنّ الأكيد أن "اللعب على المكشوف" قد بدأت، وسيكون على كلّ فريق أن يضع "أوراقه" على الطاولة، بانتظار أن تدقّ ساعة "الحقيقة"!.