على وقع إستفحال الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، خصوصاً مع إستمرار الشغور في ​رئاسة الجمهورية​، يعود الحديث من جديد عن الواقع السني، لا سيما بعد الرسائل التي كان مفتي الجمهورية ​الشيخ عبد اللطيف دريان​ قد وجهها، في كلمته بمناسبة رأس السنة الهجرية، والتي لا تزال تتفاعل على نحو كبير في العديد من الأوساط، في حين كان السفير السعودي ​وليد بخاري​ قد وجه الدعوة لحضور عشاء تكريمي، سيعقد اليوم في مقره باليرزة، على شرف المفتي دريان.

في تلك الكلمة، كان مفتي الجمهورية واضحاً في الإشارات التي توجه بها إلى النواب، الذين يشكون من قلّة الوزن والتوازن، بأنّ ذلك يعود إلى التشرذم، الذي نال من وحدة الصف ومن القدرة على التضامن ورعاية المصالح، محذّراً من أنه بحال لم يكن لهم، بسبب وحدتهم، وزن في إنتخاب الرئيس العتيد، لن يكون لهم وزن في الحكومة ورئيسها.

في قراءة مصادر متابعة، رسالة المفتي دريان، بغضّ النظر عن كيفيّة قراءتها من قبل كل فريق، عبّرت عن إمتعاض موجود داخل الطائفة من الواقع القائم، مع العلم أنه سبق له أن سعى إلى تداركه قبل نحو عام، من خلال دعوة النواب السنة إلى إجتماع عقد في ​دار الفتوى​، لكن بعد إنتهاء الإجتماع عاد كل منهم إلى موقعه، بدليل إستمرار الأمور على ما هي عليه اليوم.

وفي حين تؤكد هذه المصادر، عبر "النشرة"، أنه حتى الآن ليس هناك من توجه نحو الدعوة إلى عقد لقاء جديد، تلفت إلى أن عودة الحديث عن ضرورة ذلك مرتبطة بالواقع الذي تمر فيه البلاد، بالرغم من أنّ البعض يعتبر أن أي لقاء من هذا النوع، لن يقود إلى نتيجة مختلفة عن تلك التي توصل إليها السابق، حيث تلفت إلى أن التجربة أثبتت أن الشرذمة تعني إنعدام الدور، بدليل غياب التأثير الواضح في الإستحقاق الرئاسي.

حتى الآن، لا يزال بعض النواب السنة يرفضون هذا التوجه، إنطلاقاً من قناعتهم الشخصية ورؤيتهم لدورهم وموقعهم، الأمر الذي من المؤكّد أنّه حق لهم لا يمكن الجدال فيه، لكن المصادر نفسها توضح أنه في المقابل، في ظل التركيبة القائمة في البلاد، لا يمكن الإستمرار في تجاهل التداعيات الناجمة عن الشرذمة الحالية.

من وجهة مصادر نيابية مطلعة، من الطبيعي اليوم الحديث عن أنّ وجود موقف سني جامع، على إعتبار أنه من الصعب الحديث عن أيّ موقف واحد، سيقود إلى تعزيز الدور على المستوى الوطني، في حين أنّ إستمرار حالة الشرذمة، التي تعود بالدرجة الأولى إلى النتائج التي أفرزتها نتائج الإنتخابات النّيابية الماضية، سيكون لها المزيد من التداعيات السلبيّة.

في هذا المجال، تعطي هذه المصادر، عبر "النشرة"، مثالاً على ذلك مرتبط بالدعوات المستمرة إلى طاولة حوار وطني، لتشير إلى أن موقف بعض الجهات المشاركة في إجتماع الدوحة، الذي عقد في الأسبوع الماضي، الرافض، هو الذي قاد إلى تعطيل هذه الفكرة، لكنها تسأل: "من كان سيمثل الطائفة في حال كان التوجه هو نحو عقد مثل هذه الطاولة، لا سيما أن حضورها القوي على طاولة المفاوضات في هذه اللحظة المفصلية أكثر من ضروري"؟.

في المحصلة، تشير المصادر نفسها إلى أنّ إستمرار الأزمة يعني بقاء طرح الذهاب إلى الحوار قائماً، ومن الممكن الجزم بأن التعقيدات، التي قد تظهر في المرحلة المقبلة، ستزيد من حساسية الملفات التي قد تُطرح، ما يؤكد ضرورة البحث الجدي في الواقع السني، وما إشارة المفتي دريان إلى مسألة الحكومة ورئيسها المقبل إلا دليلاً على ذلك.