تبدو البشرية مربكة للّحاق بتعقيدات الأجيال والمصطلحات التكنولوجية التي تنبثق من العقل المتحوّل رحماً كونيّاً يستقطب الجنسيات والثقافات المتنوّعة ويفتح لها النوافذ Windoos الدائمة على الإبتكارات السهلة الإقتناء والإستعمال. وإذ يسرّ هذا العقل بالفتونٍ البشري العام المشدود إلى "الذكاء الذرّي أو الإصطناعي"، فإنّني أطمح إلى محاولة تعرية بريق هذا المفهوم إلى حدود تقزيمه بدلاً من تقزيم الإنسان كما يظهر. إنّ كلّ ما يصبّ في المتداولات والتسميات الإنكليزية بالطبع سواء الإنسان الرقمي أو المجتمعات والحكومات الرقميّة ومتفرّعاتها يبقى في نظري، مغلّفاً ببراعة الإنسان الخوارزمي حتّى ولو بلغ التبشير حدود الاقناع الرقمي والبروباغندا الرقمية والعلاقات والسمعة الرقمية الرقميّة وغيرها بصفتها برامج وأنشطة أخرجها الإنسان ويسمّيها ويمنحها هوية تنتسب إلى عائلة الذكاء الاصطناعي.

أفضت هذه الأطر من الابتكار- الانهيار إلى فكر يتحرّر من "عبودية" الجسد، فيمنح الآلات برمجة لوضع تصاميمها وإعادة بنائها بما ينافس العقل، ليتفوّق عليه في مرحلة مقبلة. هذا يعني وضع آلات فائقة الذكاء تعيد إنتاج ذاتها بذاتها وفق ظاهرة التصغيرأو"النانوتكنولوجيا" Nan Technologie الشائع في صناعة الإلكترونيات وفي مقدمها الطائرات والسيارات والقطارات والمخترعات الذكيّة . مزج هذا العلم الكيمياء والفيزياء والهندسة ليجعل الآلات تنتج آلات أصغر حجماً منها، بإدارة الكومبيوتر المبرمج على التعاطي بمهارة بالجزئيات أو الذرات بما هو مسموح من 0.1 إلى 100 نانوميتر أي واحد من مليون من المليمتر. يستطيع الذكاء الإصطناعي بذلك، تجميع الأمور هيدروجينياً أو كيميائياً عندما تجعل الحركات الحرارية الجزئيّات تحتك ببعضها البعض.

إنّ الترويج للذكاء الإصطناعي الذي يغمرنا بالآلات التي تعيد إنتاج ذاتها إلى ما لا نهاية، مقرون بإيجاد أجهزة كومبيوتر في أبعاد الميكرون، أي واحد من ألف من المليمتر. لست معنيّاُ بالإنبهار الحاصل حيال هذا الكشف، لكنّني إذكّر بالنعجة "دوللي" التي ظهرت وإختفت وهي قد تكون من نتاج الفن التكنولوجي الذي حوّل إمكانيات التجمع الذاتي إلى حالة التكاثر الذاتي حيث تتمكن البروتينات من إعادة إنتاج ذاتها طبيعياً.

يخضع هذا التوجه المعروف بالانكماش حتى درجة التلاشي مع إمكانية مضاعفات قدراته وسهولة استعماله، إلى ابتكار رقاقات من الكومبيوتر التي تخضع بدورها لقانون ينصّ على أن الرقاقات هذه ستبقى تتضاعف كل ثمانية أشهر العمر المتعارف عليه في أحجام أجيالها، ثم تنخفض كلفتها مع انخفاض حجمها. وهكذا تبقى الأجيال تتلاشى وتنقرض إلى ما يفوق التصور. ويتوقع أن يصبح ​الحاسوب​ أصغر حجماً، وأرخص ثمناً إلى الحدّ الذي يجعل الرقاقة الواحدة مماثلة لحجم الخلية ​الانسان​ية التي راح البشر يزرعوها في الأجسام أو الأدمغة والتحكم بها بعدما مهّدوا لها بالأفلام السينمائية.

ما هو مستقبل الانسان في ضوء هذه الابتكارات؟ لا تغيّرات، بل على العكس من ذلك! لماذا؟

لأنّه من الصعب التكهّن كيف ستكون أدمغة إنساننا الآتي. هل سيختلف كثيراً عنّا ؟ هناك أفكار ترى بأنّ ​الأطفال​ الخارجين من أرحام أمهاتهم إلى محيطات التكنولوجيا أعني حضارة اللحظة والسرعة المرعبة لكنها اللذيذة التي لا نشعر بها، هم أصحاب قدرات علمية وعمليّة منتظرة تسمح لهم بفضل التدرّب على تنمية مبكرة لطاقات قوية تقطع البشرية من ماضي إبتكاراتها، وتسمح لهم، بالطبع، باستيعاب تعقيدات المواقف المتعددة المرهونة بسرعة البرق نحو ​المستقبل​.

يبقى هذا الذكاء الإصطناعي المتدفق مشوباً بالمغالاة العلميّة التابعة للعقل البشري وتعيده إلى اللحظة الأسطورية التي إنطلق منها الإنسان. هي مسأئل طبيعية لا يمكن تصنيعها بل نسخها ، لأنّ المخ لا يحاكى أو يُقلَّد بالنسبة للبيولوجيين، ولو اعترض اللغويون على ذلك بامكانيات محاكاة السلوك اللغوي الزاخر بملكات ذهنية ونفسية قد يصعب تفسيرها، أو حكم علماء النفس بعدم جواز فصل ​اللغة​ والمعرفة عن المشاعر، أو حكم علماء الكومبيوتر على الذكاء بأنه آلة تكرارية تعيد ما سبق وتمّ تغذيتها بها، ولا يمكنها من استحداث معلومات جديدة. بالرغم من هذا، يتابع مهندسو الذكاء في قناعاتهم الراسخة التأكيد أن هناك نموذجاً محدداً ولغة حاسوبية لكل نشاط معرفي استناداً إلى وظيفة الدماغ البشري. ويستندون، في ذلك، إلى أمثلة حسية تدل على أنّ الذكاء الاصطناعي هو كالنظم الآلية القادرة على تشخيص ​الأمراض​، ولعبة ​الشطرنج​ التي هزمت فطاحل اللاعبين المحترفين، ونظم تحديد الثروات الجيولوجية، أومحاولات الترجمة والنقل الآلية بين الانكليزية ولغات أخرى التي لم ولن ترق في تقديري إلى العالمية، بقدر ما تلحق هذه النظم والنظريات الرياضية بالشخصية البشرية نوعاً من الضمور المخيف.

لماذا؟

لأنّك قبل أن تتكلم أو تعلم، تسبقك الآلات المبرمجة والأسرع من حركة العقل والذاكرة الطبيعية في الجواب.