تستمر الغطرسة الإسرائيلية في غزّة، وتتوالى المجازر وآخرها مجزرة المستشفى المعمداني التي تحاول ​اسرائيل​ إلباسها للفلسطينيين، على مرأى ومسمع العالم الغائب عن "الحقيقة"، والذي أظهر خلال هذه الجولة من الحرب مدى انحيازه للاسرائيليين بعيداً عن المنطق والحق والقانون والانسانيّة.

أكثر من مليون نازح فلسطيني داخل غزّة، من شمالها باتجاه جنوبها، ليصبح الثقل السكاني على حدود ​سيناء​ ال​مصر​يّة، بظلّ رغبة اسرائيليّة عبّر عنها مسؤولون ومؤثّرون بتهجير الفلسطينيين باتجاه مصر لبناء موطن لهم، استكمالاً لمشروع قديم يتمّ تجديده اليوم.

من حيث المبدأ، مشاريع تهجير الفلسطينيين من غزّة أو الضفّة الغربيّة ليس بالأمر الجديد، حيث كان دائماً يتمّ البحث عن وطن بديل لهم من ضمن المخطّطات الإسرائيلية المدعومة غربياً، فمرة يكون هذا الأمر بإتّجاه ​لبنان​ وأخرى بإتّجاه ​الأردن​ أو سيناء، مع ما يعنيه ذلك من نقل المشكلة إلى البلدان المجاورة، مما قد يقود إلى توترات أمنيّة، كما حصل في لبنان والأردن في الماضي.

هنا، قد يكون مفهوماً حجم التحذيرات المصريّة والأردنيّة من إمكانيّة تكرار هذا الأمر اليوم، لا سيما أن الأجواء توحي بأن تل أبيب تسعى إلى هذا الأمر، تحت عنوان حماية المدنيين في ​غزة​، على أن يعودوا بعد ذلك إلى القطاع، لكن التجارب التاريخيّة تثبت أنّ هذه العودة غير مضمونة، لا بل ان إسرائيل، في حال نجحت في تنفيذ مخطّطها، لن تسمح بحصول العودة، بل ستذهب إلى طرح مشاريع ​التوطين​، ضمن مخطط قديم يتضمن تقديم حوافز مالية للبلدان المضيفة.

على عهد الرئيس المصري حسني مبارك طُرح مشروع تهجير الغزاويين الى سيناء، وهناك تسجيل صوتي لمبارك يتحدث فيه عن هذا المشروع الذي حمله الأميركيون والاسرائيليون اليه، ورفضه بشكل قاطع، فها هو المشروع يعود اليوم من باب ترغيب المصريين بإلغاء ديون دولتهم مقابل إنشاء وطن بديل للفلسطينيين، لن تكون الأردن أيضاً بعيدة عن تداعياته، وطبعاً لبنان الذي عانى من اللجوء الفلسطيني ويعاني اليوم أيضاً من نزوح سوري، بظل رفض دولي لأي حل يُتيح لهؤلاء العودة.

من هذا المنطق يمكن للبنانيين أن يتأكدوا أن بلدهم ولو اتخذ قرار الحياد، فإنه معني بشكل مباشر بما يجري في المنطقة، وبالتالي طرح الحياد ليس منطقياً، لأن لبنان من ضمن الدول المطروحة لتكون وطناً بديلاً للفلسطينيين، وللسوريين اليوم أيضاً.

بالنسبة الى الرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​ فإن المشروع الاسرائيلي بات واضحاً، وهو يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية، ومحاولة لدفع سكان المدنيين إلى اللجوء والهجرة الى مصر، كذلك الأردن التي عبرت امس على لسان العاهل الأردني عبد الله الثاني عن رفضها لمنطق التهجير كذلك، ويبقى أن يتحرك لبنان أيضاً على الصعيد ​العرب​ي والدولي للتعبير عن رفض إنهاء القضية الفلسطينية لأنّه سيكون من أبرز الخاسرين بحال تحقق الهدف.

يخشى العرب من حرب اقليميّة كبرى يكون من نتائجها حصول موجات هجرة كبيرة لم تحصل سوى في بداية الصراع واحتلال فلسطين من قبل الإسرائيلي، كما يخشون من انهيار العمليّة السّياسية بالكامل لما لذلك من تداعيات عليهم، وبالتالي من المفترض أن تتحرّك الدول العربية بوجه هذا المشروع، ولا يمكن للبنان أن يبقى حيادياً منتظراً ما يفرضه عليه الآخرون.